لا بدّ من أن تتدخل الإدارة الأميركية في ما يجري في الأراضي الفلسطينية من اعتداءات فجّة يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في هذه الأيام، استفزازاً للعائلات الفلسطينية التي تعيش أجواء الشهر الكريم.
ومع هذه المنغصات التي يفتعلها الاحتلال لإربكاك المشهد الفلسطيني عموماً وما يجري في القدس الشريف من مواجهات، أثبت الفلسطينيون بطولتهم وشهامتهم في الدفاع عن المقدسات والأراضي الفلسطينية، من منطلق أن كل شبر من تلك الأراضي هو أرض فلسطينية ينبغي أن تتحرّر من كل القيود والأغلال التي يفرضها الاحتلال بين الفينة والأخرى.
إن ما يجري في عدّة بلدات فلسطينية اليوم هو تعبيرٌ عن غطرسة الاحتلال وعنجهيته وإصراره على تكريس لغة القوة في سرقة الأراضي والمنازل من أصحابها، مما يعتبره المستوطنون من الأعمال الدينية الواجبة، غير أن ما يقومون به هو عين الاستعمار والاحتلال والإضرار بالناس وبممتلكاتهم الشخصية ومقدساتهم الدينية.
إنّنا نرى صوراً يعتصر لها القلب، ويتفطّر لها الوجدان، وتهتز لها المشاعر، فحين نرى امرأة ستينية في بلدة الشيخ جراح تذرف الدمع أمام وسائل الإعلام، وتقول بصوت حزين للأمّة الإسلامية: "هذا بيتي احتله الصهاينة"، ثم يأتي صهيوني، وبدم بارد، ومعه جنود الاحتلال، ليعبّر باحتقار عن فضوله المتردي، ويضع إصبعه على فمه، موحياً لها بأن تسكت عن حقّها وتصمت، فذلك عين القهر والظلم والاستبداد، وعين الاحتلال والاستعمار والاستحمار. إنه "شعبٌ" مستوطن بلا أخلاق ولا توراة ولا دين، فدين موسى (عليه السلام) بريء مما يقومون به من أفعال تتقزز منها الفطرة السليمة، وتعافها الطبيعة، ولا تستقيم مع العقل والمنطق.
لذلك، إن " إسرائيل هي كيان اللاعقل واللامنطق واللاأخلاق"، وإلا ماذا نقول عن هذه الممارسات الوحشية!؟ إذ يقوم الاحتلاليون بإخراج الفلسطينيين من بيوتهم بالقوة، مستخدمين كل أنواع الاستفزازات، من سلاح وشتم وسب واستعراض للعضلات، وهم بذلك يظنون أن الفلسطينيين سيطأطئون لهم رؤوسهم، ويستسلمون لقوانين الاحتلال المزعومة.
إذا أرادت الإدارة الأميركية أن تكون مختلفة عن إدارة ترامب السابقة، فعليها أن تبرهن ذلك واقعاً. لطالما تشدّق الرئيس الأميركي جو بايدن قبل توليه الرئاسة باحترام حقوق الفلسطينيين، وطالب بحل الدولتين، وهو منطق الحزب الديمقراطي في كل عهد رئاسي، ولطالما دافع عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى حدود 67، تكون القدس الشرقية عاصمتها، وما زال المجتمع الفلسطيني ينتظر موقفاً جديداً مغايراً لموقف ترامب، مضمونه التعبير عن حل الدولتين، ومواجهة الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة، ومنح الفلسطينيين أبسط حقوقهم. وما لم يحصل ذلك، فإن الاحتقان الفلسطيني سيبلغ أشدّه، ويمكن أن ينفجر الوضع في أي لحظة.
في خضمّ احتفالنا بيوم القدس، نأمل أن يسترجع الفلسطينيون الأبطال كل شبر من أرض فلسطين. وقد تحدث المقاومون الأحرار في هذا اليوم، وعبّروا عن رفضهم القاطع لما تقوم به "إسرائيل" من اعتداءات صارخة على حقوق الإنسان الفلسطيني، ومن تهجير للبلدات الفلسطينية في المدينة المقدسة، كبلدة الشيخ جراح وغيرها، إذ تحدث إسماعيل هنية رئيس حركة حماس قائلاً: "إن القدس لنا، ولن نترك شبراً واحداً لإسرائيل".
وتحدث السيد حسن نصر الله، وبين أن القدس عاصمة أبدية لفلسطين، رغم أنف أميركا و"إسرائيل"، وتحدث عبد الملك الحوثي وغيرهم ممن يدافعون عن القدس التي تتعرض للتدنيس من الرعاع المستوطنين، وتوعّدوا هؤلاء القطعان بيوم التحرير الذي سيأتي لا محالة في أي يوم من الأيام القادمة بإذن الله تعالى، وحذروا المستوطنين اليهود من اقتحام بيت المقدس في الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك، بعد أن انتشرت أخبار عن رغبة متطرفين يهود في اقتحام القدس وتدنيسه في ذلك اليوم.
حاولت "إسرائيل" خلال الأيام القليلة الماضية أن تربك المشهد الفلسطيني برمّته، لتخفّف حدّة المواجهة في القدس الشريف، بعد أن أثبت الأبطال الفلسطينيون الشهامة والقوة والعزة والكرامة في الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين، فعمدت إلى استفزازهم عبر نشر جنودها وقطعانها في البلدات القديمة والسيطرة على أملاك الفلسطينيين لتهويدها جملة وتفصيلاً، وأبطلت الانتخابات في القدس، لعدم اعترافها بأنها جزء من أرض فلسطين، وهي بهذا تؤجج الصراع، وتوقد النار، وتحثّ رجال المقاومة على أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارئ، وعلى أي صعيد.
وبحسب الكلمات التي ألقيت بمناسبة يوم القدس، إن رجال المقاومة مستعدون للحرب، إن قامت، طال أمدها أو قصر، وهم يملكون العدة والعتاد العسكري، ولديهم الرجال العازمون على فتح أبواب القدس في الأيام القادمة إن بقيت الحال على ما عليه، من اعتداء صارخ من الاحتلال، ومنغصات في الليل والنهار، ومحاولات الاقتحام المتكررة في أي وقت وفي أي زمان، ورجال المقاومة في العالم الإسلامي لهم بالمرصاد، و"إسرائيل" ذاهبة إلى الزوال والاختفاء، لتتطهر البقعة المباركة من أنجاسهم.
بقلم: فوزي بن حديد
نورنيوز-وكالات