نورنيوز- تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليلة الجمعة الماضية عبر الڤيديو مخاطبا الشعب اللبناني في الذكرى الرابعة عشرة للانتصار في حرب الـ 33 يوما (حرب تموز).
هذا الخطاب، بالإضافة إلى إلقائه الضوء على بعض أبعاد حرب تموز وتنامي قدرات جبهة المقاومة، قدّم أيضا حلولاّ عملية للشعب اللبناني والتيارات السياسية اللبنانية وشعوب المنطقة بغية مواجهة التهديدات واغتنام الفرص، كما وجّه أيضا تحذيرا لأعداء لبنان والمقاومة.
أعرب الأمين العام لحزب الله اللبناني أنه بعد مرور 14 عامًا على حرب الـ 33 يومًا، فإن النظام الإسرائيلي المحتل يواجه اليوم معادلة جديدة في ميزان القوى وتنامياً كبيرًا في قوة الردع لدى المقاومة على الأرض. هذا الميزان الذي يعتمد على المتعلمين والشباب المتخصصين في حزب الله، على الشباب المحاربين وذوي الخبرة الذين يتقنون التعامل مع أحدث تقنيات الإدارة العسكرية الأكثر تقدمًا في العالم.
أدى تأكيد الأمين العام لحزب الله على استعداد المقاومة للرد على فظائع النظام الصهيوني إلى استقرار ميزان الرعب على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، مرسلاً رسالة واضحة للصهاينة مفادها أن استراتيجية المقاومة المبنية على الرد على أية مغامرة صهيونية، ستبقى مستمرة.
وقال السيد حسن نصر الله صراحة أن على الصهاينة على طول الخطوط الحدودية اللبنانية والسورية أن يترقبوا الانتقام لدم الشهيد "محسن كامل" أحد قادة المقاومة والذي استشهد خلال الهجوم الأخير الذي نفذه الكيان الصهيوني على دمشق.
كما شرح الأمين العام لحزب الله في كلمته قواعد الردع والحماية من العدو، وأكد أيضا على دعم عناصر الشراكة الوطنية في ظل وجود كافة التيارات السياسية، كنهج ينتج تضامناً وطنياً وسياسياً.
لكن ما ميز خطاب السيد حسن هذه المرة عن باقي خطاباته الأخرى في مثل هذه المناسبات هو هدوءه وثباته، وهي النقطة التي يشير إليها الصهاينة على أنها لغة جسد نصر الله، وقد كلفوا فريقًا محترفاً من علماء النفس لتحليل محتواها.
جاءت تصريحات الأمين العام لحزب الله بصيغة عامة مرتكزة على ثلاثة محاور تشمل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية.
كما دعا في خطابه مرة أخرى جميع الفئات المؤيدة للمقاومة إلى التحلي بالصبر، كاستراتيجية تتعارض تماماً مع استراتيجية المحاور الغربية والعبرية والعربية التي تهدف لإحداث الفوضى والانقسام العرقي والطائفي في لبنان.
وبينما كانت بعض التيارات اللبنانية مثل 14 آذار وأشخاص مثل "سعد الحريري" و "سمير جعجع" و "وليد جنبلاط" وغيرهم يدعون مناصريهم إلى الفوضى، فقد كان السيد حسن نصر الله يدعو أنصار المقاومة لضبط النفس بالدرجة الأولى في إطار الحفاظ على الوحدة اللبنانية.
الاعتماد على القدرات الداخلية والثقة بالجهاز القضائي والأمني اللبناني هي من المحاور الرئيسية في خطاب الأمين العام لحزب الله، حيث أكد أنه لا يثق ولا يؤمن بالتحقيقات الأجنبية في انفجار مرفأ بيروت، وأن المقاومة تنتظر نشر نتائج تحقيقات السلطات المحلية اللبنانية لتتضح حقائق وملابسات هذه الكارثة العظيمة.
ملاحظات السيد نصر الله حول التحقيقات الأجنبية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 يمكن أن تكون بمثابة تحذير بأن التحقيقات المنفذة من قبل غير اللبنانيين ستكون غير موثوقة النتائج. من ناحية أخرى، يمكن اعتبار تأكيده على ضرورة معرفة ومعاقبة الجناة المحتملين لمأساة مرفأ بيروت تعبيراً عن مطالب كافة اللبنانيين، لا سيما الذين فقدوا منازلهم وأقاربهم في هذه المأساة الفظيعة. وهذا النهج مستنبط من الطبيعة الشعبية للمقاومة اللبنانية بطبيعة الحال.
وشدد نصر الله على أنه إذا ما توصلت التحقيقات إلى كشف دور للكيان الصهيوني في تفجير ميناء بيروت، فإن حزب الله لن يقف مكتوف اليدين أمام جريمة بهذا الحجم، وستدفع إسرائيل بلا شك ثمن جريمتها تلك. وهذا كابوس آخر يجثم على صدر الكيان الصهيوني، ذلك لأن الصهاينة يدركون جيداً بأن السيد حسن نصر الله رجل الوعود الصادقة وسيفعل ما يقول.
والنقطة المهمة الأخرى في كلام الأمين العام لحزب الله تركزت على خيانات التسوية في سبيل تحقيق "صفقة القرن"، وتحليله لتطورات المنطقة، لا سيما إعلان التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني.
وتعليقاً على اتفاق الإمارات الأخير مع الكيان الصهيوني وتطبيعها للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، وصف السيد حسن نصر الله هذه الخطوة بأنها مجرد خدمة لترامب على مشارف الانتخابات الأمريكية القادمة، كما وصف هذه الخطوة بأنها خنجر يطعن في ظهر القضية الفلسطينية، ولكن بالنظر إلى تاريخ العلاقات السرية لبعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني، فقد اعتبر السيد حسن أن هذه الخطوة كانت متوقعة بطبيعة الحال، وأنها تعتبر تجسيدا واضحا لسقوط الأقنعة عن وجوه القادة الخونة لبعض الأنظمة العربية.
وتمكن من خلال تحليله الدقيق إفشال مخطط الأمريكيين وخطة ترامب لتهويل عملية التسوية واستغلالها سياسياً في الانتخابات الرئاسية الامريكية، قائلاً: إن هذا التطبيع لم يكن مستغرباً لأن الدول التي تطيع امريكا لا يمكنها الفرار من هذا المصير.
وتعهّد السيد نصرالله للفلسطينيين بأن المقاومة ما زالت معهم ولن تتخلّى عن فلسطين أبدا حتى لو تحركت الدول العربية الأخرى نحو المساومة على المقاومة، موضحاً بأنه تكشّف للفلسطينيين الآن من هم الخونة علناً ولن يصدّقوا وعودهم بعد اليوم.
تبع تصريحات الأمين العام لحزب الله تجلياته السياسية، التي كشفت عن سيناريوهات تُحاك ضد الهيكل السياسي، وفي النهاية خطط لإغراق لبنان في حرب أهلية. وحذر الجميع من مساعي بعض الأطراف لإثارة حرب أهلية، ودعا إلى تجنب الانقسام وترسيخ الوحدة الوطنية في لبنان اليوم.
وتحدث نصر الله عن خطة انقلابية متعددة المراحل كانت فيها الإطاحة بالرئيس اللبناني ميشال عون الخطوة الأولى، وبهزيمة هذه الخطة توجّه الأعداء إلى المرحلة الثانية من الخطة وهي حل مجلس النواب اللبناني، وبعد فشل هذه الخطّة أيضاً وضعوا إسقاط حكومة حسان دياب وإشعال أعمال الشغب في الشوارع أساساً للسيناريو الثالث لمخططهم، ورغم اضطرار الحكومة للاستقالة في النهاية، إلا أن مقاومة دياب والتيارات الحامية لوحدة لبنان أحبطت سيناريو العدو، وفشلت المؤامرة في إحداث فراغ سياسي في لبنان وجرّ البلاد إلى الحرب الداخلية.
وكان كشف السيد حسن نصر الله وتركيزه على مصطلح "الحكومة المحايدة" نقطة أخرى في خطابه الذي ألقاه يوم الجمعة المنصرم. إذ وصف الامين العام لحزب الله الخطة بأنها مضيعة للوقت وقال "هدفها تجاهل نتائج الانتخابات النيابية واقرارها". الخطة التي اقترحها حينها وزير الخارجية الفرنسي لودريان بشكل رسمي خلال زيارته للبنان، زاعماً بأنه ينبغي تشكيل حكومة محايدة في لبنان.
في مجمل تصريحات السيد نصر الله، يمكن القول إنه بالإضافة إلى تحليله الذي رفع النقاب عن أبعاد التطورات الداخلية في لبنان والمنطقة، كاشفاً عن مؤامرات تهدف من خلال تفجير مرفأ بيروت إغراق لبنان في فراغ سياسي وفي نهاية المطاف إشعال حرب أهلية في سائر البلاد.
كانت تصريحات السيد حسن نصر الله وتحذيراته لأعداء الوحدة الوطنية اللبنانية مطمئنة في خضم الأجواء اللبنانية المتوترة، وتشكل مكوناً مهماً للوحدة والتآخي في الداخل اللبناني، في حين أن تحذيراته لأعداء لبنان ولا سيما الكيان الصهيوني، أرست قواعد توازن ردع جديد يمكنه ضمان أمن الحدود اللبنانية وتحييد التهديدات العسكرية ضد لبنان في هذه المرحلة الحرجة.
نورنيوز