نورنيوز- منذ بداية الحادثة التي وقعت في إحدى وحدات مجمع الشهيد أحمدي روشن النووية (نطنز)، حاولت بعض وسائل الإعلام والشخصيات التابعة للكيان الصهيوني تعزيز الشكوك في أن تل أبيب خططت وأدارت الهجوم المزعوم.
وتصاعدت التكهنات إلى حدّ نقلت معه رويترز عن مصادر محلية مطلعة بحسب زعمها! لم تُكشف هويتهم، أن الهجمات الإلكترونية على منشأة نطنز النووية كان مصدرها اسرائيل.
رغم ذلك، لم يوافق أي من المسؤولين الرسميين في الكيان الصهيوني على تبني هذه المسؤولية أو حتى التعليق عليها مباشرة.
سعت هذه الحملة الإعلامية، كما فعلت من قبل في حالات أخرى، التأثير على الرأي العام داخل إيران بالتركيز على "قوة تمثيل" الكيان الصهيوني، بدلاً من احتوائها على معلومات دقيقة.
وعلى خلفية الحرب النفسية الهائلة التي تُشنّ على ايران، كتبت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا في تقرير لها: "تتشكل ملامح استراتيجية أمريكية إسرائيلية جديدة ضد ايران، تتمثّل بشنّ سلسلة من الهجمات السرية التي تستهدف كبار قادة الحرس الثوري وتخريب المنشآت النووية الإيرانية"».
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير مشترك أعده ديفيد سينجر ورونين بيرجمان وإريك شميدت، عن اثنين من مسؤولي المخابرات المجهولين أثناء طرح نظريات مختلفة حول سبب حادثة نطنز النووية، ومقارنتها بالتعقيد المماثل لهجوم ستاكسنت السيبراني. وكشف مسؤولي المخابران أن "النظرية الرئيسية هي أن عبوة ناسفة زرعت في منشأة نطنز".
من ناحية أخرى؛ نتيجة لهذه الحملة الإعلامية الضخمة، مدّد بنيامين نتنياهو لـ يوسي كوهين رئاسة الموساد لمدّة ستة أشهر أخرى، من دون التعليق على حادثة نطنز، وفي محاولة لتبرير الأزمة الأمنية المقبلة، اضطرت تل أبيب إلى تعزيز أنظمتها الهجومية والدفاعية تحسباً من انتقام إيراني قادم.
وبعد اتخاذ هذا القرار، أثار الكيان الصهيوني قضية أخرى بمساعدة شبكة "بي بي سي" تزعم أن أجهزة الاحتلال تمكّنت من إحباط مخطط ايراني لاستهداف سفارات تل أبيب لدى العديد من البلدان، إلاّ أن هذه الموجة لم تحظ باهتمام لافت من قبل وسائل الاعلام العالمية لخلوها من أي وثائق أو أدلة.
في هذا الصدد؛ كان إطلاق القمر الصناعي العسكري الإسرائيلي، الذي تم بدعاية واسعة النطاق عالمياً، خطوة أخرى في استكمال سلسلة العمليات النفسية التي يتبعها الكيان الصهيوني، بالنظر إلى أهدافه المعلنة لتعزيز نظام المراقبة الاستخباراتية، لاسيما ضد إيران.
في غضون ذلك، أفادت وسائل إعلام اسرائيلية قبل حوالي يومين، أنه في خضم التوترات الحادة بين تل أبيب وطهران بعد الحادث الذي وقع في موقع نطنز النووي، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الإسراع في تسليم طائرات "بيغاسوس كي سي 46" إلى الجيش الصهيوني التي تتكفّل بمهمة تزويد طائرات الاحتلال بالوقود.
ما يحاول ايصاله تقرير "نيويورك تايمز" في هذه اللعبة التي كشف فيها عن تشكّل ملامح استراتيجية مشتركة بين الاحتلال وأمريكا فيما يخصّ اغتيال قادة الحرس الثوري الإيراني والهجوم على المنشآت النووية الايرانية، هو أن الجمهورية الإسلامية الايرانية باتت في وضع خاص جدا وإذا ارتكبت أي خطأ، فستواجه ردود فعل غير متوقعة من الكيان الصهيوني وامريكا.
على مدى الأيام العشرة الماضية، بُثت عشرات التقارير والمقالات والمقابلات وغيرها من الوسائل الاعلامية من قبل مراكز البحث الغربية والعبرية علاوة على حملة التهويل الاعلامي التي شنّتها أدوات نظام الهيمنة الغربي لإثبات إمكانية أمريكا والاحتلال الاسرائيلي على توجيه ضربات لايران وإظهار قدرتهم على تهديدها بشكل مباشر، ويهدف هذا المشروع الغربي الشامل والمنسق لترهيب الشعب الايراني والتأثير على هيكلية صنع القرار في جمهورية إيران الإسلامية.
ولابد هنا من التطرّق الى مزاعم الجنرال "فرانك كينت ماكنزي" قائد إرهابيي القيادة المركزية للولايات المتحدة، حول فورة الغضب الإيرانية بعد استشهاد الشهيد قاسم سليماني، ومن الضروري الإشارة الى تصريحات بريان هوك، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران في البيت الأبيض، حول فرصة التفاوض بين إيران امريكا.
قال ماكنزي في محادثة هاتفية مع بلومبرج يوم الجمعة، أن مراكز صنع القرار في ايران واجهت معضلة بعد استشهاد القائد سليماني. وتابع: تدرك إيران أنه في ساحة القتال، لدينا القدرة على تحويل أي هجوم مباشر أو غير مباشر يُشن علينا أو على حلفائنا الى ردّ مؤلم للغاية بالنسبة لهم.
"بريان هوك" أشار بدوره هو الآخر الى مزاعم نجاح الضغوط القصوى على ايران، قائلا: "لا يجب أن تفوّت إيران فرصة التفاوض مع الولايات المتحدة، وإلا فإن الوضع سيصبح أكثر تعقيدًا مما هو عليه الآن"،
وأثرت للأسف الحرب النفسية المكثفة التي تشنّها أمريكا والكيان الصهيوني أيضًا على بعض التيارات ووسائل الإعلام ذات الصلة داخل البلاد، وعلى هذا الأساس، فإنهم ينصحون باتباع نهج ملائم غير حاد تجاه الأعداء لمنعهم من البحث عن الأعذار.
ليس هناك أدنى شك في أن اتخاذ استراتيجية انفعالية ضد العدو لن تؤثّر في تراجع أعماله العدوانية فقط، بل ستحرك الجانب الآخر إلى الأمام أيضا وتوفر لهم منصّة لمزيد من الهجمات الدعائية من قبل الاحتلال الاسرائيلي وترامب عشية الانتخابات الأمريكية لإبراز عضلاتهم في احتاء إيران.
على هذا الأساس؛ حتى لو كان لدى امريكا والكيان الصهيوني خطط تتماشى مع ما تم نشره في صحيفة نيويورك تايمز، طالما تم الإبلاغ عن مواصفات وإحداثيات المخططات التي يحضرون لها في وسائل الإعلام، فمن المرجح أنهم يهدفون لموجة من التأثير النفسي على الرأي العام أكثر من أن يكونوا قادرين على تنفيذ مثل هذه المخططات.
وبوجه أدق، من الواضح أن سياقات الضغط النفسي الأمريكية والإسرائيلية تأتي بهدف ترهيب ايران لا أكثر.
إن اقتراحات "بريان هوك" المتواصلة بشأن الخطط العسكرية والأمنية للتعامل مع إيران، إلى جانب فتح الطريق المسدود للمفاوضات، هي استمرار للمسار الأمريكي في سياق "الحرب الإدراكية" ضد إيران لتحقيق "نجاح منخفض التكلفة".
ترامب ليس في وضع يسمح له علاوة على مشاكله المتراكمة والعديدة من الإنصات لعروض نتنياهو ومشاريعه الإعلامية المعقدة والمكلّفة.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنه عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اهتز موقف ترامب بشدّة على مدى السنوات الأربع الماضية بسبب قراراته وأفعاله غير المنطقية، ومن الصعب جدًا إصلاح هذا الوضع.
لن يمرّ وقت طويل قبل أن تدرك أمريكا وأداتها الصهيونية من أن التطورات في المنطقة لن تكون في صالحهم فحسب، بل سيتعين عليهم دفع ثمن باهظ للخروج من الوضع الذي أوجدوه، المتمثّل بتبنيهم سياسات خبيثة ومخرّبة.
نورنيوز