فقد هاجمت صحيفة "الغارديان" البريطانية نتائج التحقيق قائلة: إن من أدينوا في قضية مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، هم مجرد "مهرجين" انتهى دورهم.
وأوضحت الصحيفة في مقال للكاتب سايمون تيسدال، أن المتورطين الحقيقيين في القضية لا زالوا خلف الستار، ولم تتم محاكمتهم بالطريقة الصحيحة.
وقضت محكمة سعودية الإثنين، بإعدام خمسة أشخاص -لم تذكر أسماءهم- والسجن 24 عاما لثلاثة آخرين، فيما برّأت أبرز المتهمين، المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، وآخرين.
وبحسب الصحيفة، فإن الحكم بهذه الطريقة "لن يؤدي إلى إغلاق الموضوع، لأن الاغتيال الوحشي لخاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول العام الماضي شوّه صورة المملكة وجلب لها العار، وأضر بسمعتها الدولية لفترة طويلة قادمة، كما شوه صورة محمد بن سلمان نفسه بشكل لا يمكن إصلاحه".
الحصاد المر لمشوار محمد بن سلمان
وتابعت أن "الأحكام جاءت بعد محاكمة تفتقر إلى أي إجراءات قانونية مناسبة بما يعني أن هذه الجريمة الشنيعة ستلطخ ضمير أسرة آل سعود بأسرها بشكل لا يمكن محوه".
ونوهت الصحيفة إلى أن جريمة اغتيال خاشقجي والفضيحة الدولية، هي بمثابة "الحصاد المر" لمشوار الأمير محمد بن سلمان.
وذكّرت الصحيفة بمقابلة لولي العهد مع شبكة "سي بي إس" في أيلول/ سبتمبر، حين قال: "كانت هذه جريمة بشعة. لكنني أتحمل المسؤولية الكاملة كقائد، لا سيما أن من ارتكبها موظفون لدينا".
وأوضحت الصحيفة أن ابن سلمان سيخدع نفسه في حال ظن أن علاقته الوطيدة بالولايات المتحدة ستستمر، لا سيما مع الانتقادات الحادة التي يلقاها من أعضاء الكونغرس.
ولفتت الصحيفة إلى النداءات المتزايدة في الغرب لإيقاف بيع الأسلحة إلى السعودية، لا سيما أن الرياض متورطة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في اليمن.
قضية خاشقجي ليست محاكمة بل تمويه للحقيقة
أما مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية، فقد نشرت تقريرا لكل من عبد الله الشهري وآية بتراوي، يقولان فيه إن محكمة في السعودية حكمت على خمسة أشخاص بالإعدام لقتل الصحافي جمال خاشقجي، الذي جلبت جريمة قتله البشعة في القنصلية السعودية في إسطنبول شجبا دوليا، وألقت بظلال الشك حول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ويشير التقرير، إلى أنه تمت إدانة ثلاثة آخرين في محكمة الجنايات في الرياض، بتهمة التستر على الجريمة، وتم الحكم عليهم بما مجموعه 24 عاما في السجن، بحسب بيان صادر عن مكتب المدعي العام تمت قراءته على التلفزيون الرسمي السعودي.
ويلفت الكاتبان إلى أنه تمت محاكمة 11 شخصا في القضية، إلا أنه لم يتم نشر أسماء الأشخاص المدانين، وعادة ما يتم تنفيذ حكم الإعدام في السعودية بقطع الرأس، وأحيانا في مكان عام، مستدركين بأنه يمكن استئناف هذه الأحكام كلها.
وتذكر المجلة أنه سمح لعدد من الدبلوماسيين، بينهم دبلوماسيون أتراك، بالإضافة إلى أعضاء من عائلة خاشقجي، بحضور 9 جلسات للمحاكمة، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام المستقلة منعت من الحضور.
ويجد التقرير أنه في الوقت الذي تم فيه الانتهاء من القضية في السعودية، إلا أن السؤال حول مسؤولية ولي العهد يبقى مطروحا في الخارج، مشيرا إلى أن أغنيس كالامارد، التي حققت في جريمة القتل للأمم المتحدة، ردت بتغريدة وصفت فيها الأحكام بأنها "سخرية"، وقالت إن العقول المدبرة خلف الجريمة "بالكاد اقترب التحقيق والمحاكمة منهم"، فيما قالت منظمة العفو الدولية عن النتيجة إنها "تمويه لا تجلب العدل ولا الحقيقة".
ويشير التقرير إلى أن هذه الجريمة أذهلت حلفاء السعودية الغربيين، وأثارت أسئلة مباشرة حول إمكانية تنفيذ عملية رفيعة المستوى مثلها دون علم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حتى عندما تصر المملكة على أن ولي العهد لا علاقة له بجريمة القتل.
ويورد الكاتبان نقلا عن ابن سلمان، قوله في مقابلة له في أيلول/ سبتمبر، مع برنامج 60 دقيقة على تلفزيون "سي بي اس": "أتحمل المسؤولية كاملة كوني زعيما للسعودية"، لكنه كرر بأنه لم يكن لديه علم مسبق بالعملية، وقال إنه ليس بإمكانه متابعة ملايين الموظفين، مشيرين إلى أن الملك سلمان أمر بتعديل في المناصب الأمنية العليا بعد عملية القتل.
وتقول المجلة إن "تركيا، وهي منافسة للسعودية، استغلت حادثة القتل على أرضها لممارسة الضغط على المملكة، ومن الواضح أن تركيا، التي طالبت بمحاكمة المتهمين على أرضها، كانت تتنصت على القنصلية السعودية، وشاركت التسجيلات الصوتية لحادثة القتل مع وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها".
ويلفت التقرير إلى أن السعودية قامت في البداية بتقديم روايات مختلفة حول اختفاء خاشقجي، إلا أنه عندما زاد الضغط الدولي بسبب التسريبات التركية، فإنه المملكة استقرت على رواية أنه قتل في مشاجرة مع مسؤولين مارقين.
وينقل الكاتبان عن المتحدث باسم المدعي العام السعودي شعلان الشعلان، قوله إن المحكمة توصلت إلى أن جريمة القتل لم يكن مخطط لها.
وتنوه المجلة إلى أن التقرير المؤلف من 101 صفحة، الذي نشرته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القانون، أغنيس كالامارد، تضمن تفاصيل من الأشرطة الصوتية المسجلة التي شاركتها السلطات التركية معها، وقالت في التقرير إنها سمعت العملاء وهم ينتظرون وصول خاشقجي يناقشون كيف سيخرجون جثته، فقال لهم الطبيب ألا يقلقوا "سيتم فصل أجزائه، ليست مشكلة.. إن أخذنا أكياسا بلاستيكية وقطعناه إلى قطع سينتهي الأمر، سنلف كل جزء منها".
ويذكر التقرير أن خاشقجي قضى آخر عام من حياته في المنفى في أمريكا، وكان يكتب في صحيفة "واشنطن بوست" حول انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، ففي وقت كان الغرب يحتفي بالإصلاحات الاجتماعية التي يقوم بها الأمير محمد، كانت مقالات خاشقجي تنتقد حملات الاعتقال والتنكيل بالمعارضين التي كان يشرف عليها، فالعديد من منتقدي ولي العهد انتهى بهم الأمر في السجن والمحاكمة بتهم تشكيل خطر على الأمن القومي.
الكونغرس: بن سلمان مسؤول عن جريمة القتل
ويشير الكاتبان إلى أن الكونغرس قال بأنه يعتقد أن الأمير محمد "مسؤول عن جريمة القتل"، فيما شجب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جريمة القتل، لكنه وقف مع ولي العهد البالغ من العمر 34 عاما، ودافع عن العلاقات بين أمريكا والسعودية، لافتين إلى أن واشنطن قامت بفرض عقوبات على 17 سعوديا يشك في أنهم متورطون في الجريمة.
وتفيد المجلة بأن من بين من فرضت عليهم عقوبات كان المستشار السابق للأمير سعود القحطاني، مشيرة إلى أن مكتب المدعي العام قال يوم الاثنين إنه تم التحقيق مع القحطاني، ولم يثبت أنه شارك في عملية القتل.
ويلفت التقرير إلى أنه تمت في الوقت ذاته محاكمة المستشار السابق لدى ولي العهد ونائب رئيس المخابرات، أحمد العسيري، وتم إطلاق سراحه بسبب عدم وجود أدلة كافية ضده، بحسب مكتب المدعي العام، كما أمرت المحكمة بإطلاق سراح القنصل العام في إسطنبول، محمد العتيبي، وهو من بين من فرضت عليهم أمريكا عقوبات بسبب "تورطه في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان"، بحسب ما ورد في بيان وزارة الخارجية الأمريكية التي منعت سفره وسفر عائلته.
وينوه الكاتبان إلى أن ياسين أقطاي، وهو عضو الحزب الحاكم في تركيا وصديق لخاشقجي، انتقد الأحكام الصادرة، وقال إن المحكمة السعودية فشلت في محاكمة المجرمين الحقيقيين.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالقول إنه "مع أن قتل خاشقجي شوه سمعة الأمير محمد في الغرب، إلا أنه يحظى بشعبية كبيرة في بلده، خاصة بين الشباب السعودي السعيد بالتغييرات الاجتماعية التي أدخلها، وقد فتحت السعودية في الأشهر الماضية أبوابها لاستقبال السياح من أنحاء العالم، وذلك في محاولة لتحسين الاقتصاد".
بروكسل تطالب بمحاسبة جميع المتورطين
سياسيا أكد الاتحاد الأوروبي على ضرورة ضمان محاسبة جميع المسؤولين عن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي والمتورطين في هذه الجريمة، منتقدا استخدام القضاء السعودي عقوبة الإعدام بشكل عام.
وشددت بروكسل في بيان صدر عن مفوضية الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي امس الثلاثاء، على وجوب أن تجرى المحاكمة في قضية خاشقجي استنادا إلى مبادئ الشفافية مع احترام الإجراءات القضائية وجميع الحقوق القانونية الفردية.
علاوة على هذا اعربت العديد من الجهات الدولية من بينها التركية والأوروبية عن أسفها لعدم محاسبة المجرمين الحقيقيين في القضية.
نورنيوز