1- ترامب يرفض المحادثات غير المباشرة مع إيران وهو الذي لجأ إليها: دعوة للتخلي عن لغة التهديد والابتزاز
في التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرًا رفضه للمحادثات غير المباشرة مع إيران، مؤكدًا أن المفاوضات يجب أن تتم بشكل مباشر. ومع ذلك، يتناقض هذا الموقف مع سياساته السابقة التي اعتمدت على الوساطات والمفاوضات غير المباشرة.
في عام 2019، نقل رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي رسالة من ترامب إلى السيد قائد الثورة الإسلامية، لكن الإمام السيد الخامنئي رفض استلام الرسالة. كما كان ترامب قد طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسط لإجراء محادثات مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، أرسل مبعوث من دولة الإمارات رسالة أخرى إلى السيد الخامنئي، في محاولة لتوسيع دائرة الوساطات.
الآن، يأتي ترامب ليعلن أنه يرفض أي محادثات غير مباشرة مع إيران، داعيًا إلى مفاوضات مباشرة. هذه الخطوة لا تخلو من تناقض، فالرئيس الأميركي الذي اعتمد في فترات سابقة على الوساطات والدبلوماسية غير المباشرة، يعلن اليوم عن موقفه المعاكس. لكنه يتجاهل الحقيقة البسيطة: إيران لا تسعى إلى التسوية عبر الابتزاز أو الضغوط. ما تريده إيران هو رفع العقوبات التي فُرضت عليها، ولا تسعى لامتلاك سلاح نووي، بل تسعى لتحقيق مصالحها على الساحة الدولية من دون تراجع عن مبادئها.
تصريحات ترامب عن “قلق إيران” ورغبتها في التفاوض المباشر قد تكون محاولة لتغيير الصورة وتحويل الأمور لصالحه. لكنه في الحقيقة يغفل عن حقيقة أن إيران ليست في عجلة من أمرها لتقديم تنازلات تحت الضغط. إيران لديها استراتيجيتها الخاصة في التعامل مع المفاوضات، وهي تفضل أن تُجرى المحادثات وفقًا لشروطها في ثلاثية العزة والحكمة والمصلحة والمرونة الشجاعة ، بعيدًا عن أي وساطات قد تضعف موقفها.
الولايات المتحدة قد تظن أن الضغط على إيران سيؤدي إلى تقديم تنازلات، لكن الحقيقة هي أن إيران قد أثبتت أنها قادرة على الصمود في وجه الضغوط الأميركية، وأنها تفضل التفاوض وفقًا لشروطها الخاصة. إصرار ترامب على رفض المحادثات غير المباشرة يبدو أنه يتجاهل واقع أن التفاوض المباشر مع إيران قد لا يكون الخيار السهل الذي يعتقده.
إذا كان ترامب يريد تجنب تحول إيران إلى دولة نووية، عليه أن يتخلى عن لغة التهديد والابتزاز، ويركز على رفع العقوبات. إيران لا تسعى إلى السلاح النووي، ولكن يجب أن تتوقف محاولات الضغط عليها إلى حد دفعها نحو هذا الخيار.
2- ترامب: “المفاوضات غير المباشرة لن تحدث”
قال ترامب للصحفيين: “المفاوضات المباشرة تسير أسرع، ومن الأسهل بكثير فهم الطرف الآخر من خلال التحدث مباشرة، بدلاً من استخدام الوسطاء. كانوا يريدون استخدام الوسطاء، لكنني لم أعد أعتقد أن هذا أمر حقيقي. أعتقد أنهم قلقون، ويشعرون بالضعف، وأعتقد أنهم يريدون الاجتماع مباشرة.”
عندما سُئل ترامب من قبل الصحفيين: “قلت إنك لا تعتقد أنهم سيرغبون في استخدام الوسطاء بعد الآن، هل أرسلوا رسالة أخرى؟ أو هل أخبروك عن ذلك بطريقة أخرى؟”، أجاب: “أعرف على وجه اليقين أنهم يرغبون في التحدث مباشرة.”
سأله الصحفي: “هل يمكنك إخبارنا بشيء عن محتوى الرسالة التي جاءت من إيران؟”، فأجاب ترامب: “لا، فقط أعتقد، في الواقع، أقول انسوا الرسالة، أعتقد أنهم يريدون التحدث مباشرة.”
ترامب يستخدم تقنيات كلاسيكية في الإعلام التي تعتمد على:
1. التعتيم المتعمد:
• استخدام عبارات غامضة مثل “أعتقد أنهم يريدون…” دون تقديم دليل (مخالفة لمبدأ الشفافية في الدبلوماسية).
• الهدف: خلق مساحة للتفسير للضغط بشكل أكبر.
2. التناقض المدروس:
• الإشارة إلى “الرسالة” ثم القول “انسوا الرسالة”:
• دليل على عدم الرغبة في الرد بشكل دقيق.
• محاولة للسيطرة على السرد الإعلامي وفقًا للهدف المطلوب.
3. علم النفس في الحرب الإعلامية:
• إيصال إحساس “الضعف الإيراني” دون تقديم أدلة:
• استخدام تقنية Drowning Out (غمر الجمهور بادعاءات متكررة).
تحليل محتوى البيان من خلال إطار لغوي:
ترامب يصف المفاوضات غير المباشرة بأنها “بطيئة” و”غير موثوقة” ليثبت:
1. إطار التفكير (Framing):
• تأكيد أن المفاوضات المباشرة هي “الطريقة الوحيدة للحل” وتخفيف دور الوسطاء (مثل الاتحاد الأوروبي).
2. إنتاج أمل مسيطر عليه:
• عبارة “هم يرغبون في الاجتماع” تعد بمثابة تهديد ناعم: إذا لم تتفاوض إيران مباشرة، يتم ربط ذلك بـ “عدم الرغبة في السلام”.
الأهداف الاستراتيجية وراء هذه اللغة:
1. تغيير التوازن النفسي قبل المفاوضات:
• ترامب يريد وضع إيران في موقع “الرد” للحصول على مزيد من التنازلات.
2. التأثير على الرأي العام الداخلي:
• هذه الادعاءات تعد أساسًا للدعاية الانتخابية المستقبلية، حيث يظهر ترامب نفسه على أنه “أقوى مفاوض” في مواجهة إيران.
3. الضغط على أوروبا:
• من خلال إبعاد الوسطاء، يضعف الاتحاد الأوروبي ويقوض التعددية.
مقارنة مع استراتيجيات ترامب السابقة:
1. نموذج كوريا الشمالية:
• في 2018، بدأ باستخدام التهديد بـ “النار والغضب”، ثم انتقل للتفاوض المباشر.
2. نموذج الاتفاق النووي 2018:
• الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي ثم عرض التفاوض وجهًا لوجه:
• يظهر أن ترامب يعتقد في العلاج بالصدمة الإعلامية.
تحليل الهشاشة في استراتيجية ترامب الإعلامية تجاه إيران
1. الهشاشة الداخلية (أمريكا):
1. رد فعل الكونغرس ووسائل الإعلام الرئيسية:
• شبكات مثل CNN ونيويورك تايمز تقوم بتوثيق ادعاءات ترامب بشأن إيران.
2. الضغط الشعبي:
• استطلاع غالوب 2023 أظهر أن 32% فقط من الأمريكيين يثقون في الأخبار المتعلقة بإيران من ترامب.
2. الهشاشة الدولية:
1. رد فعل الحلفاء التقليديين:
• الاتحاد الأوروبي في 2023 قام بتعزيز آلية INSTEX لتجاوز العقوبات.
2. الدبلوماسية الإعلامية الإيرانية:
• إيران تستخدم شبكات إنجليزية مثل PressTV و Tehran Times لنشر الوثائق.
3. الهشاشة الإعلامية الفنية:
1. الاعتماد على منصات معينة:
• حذف حساب تويتر لترامب في يناير 2021 أظهر أن استراتيجيته تعتمد على منصة واحدة.
2. الاختراقات المعلوماتية من إيران:
• وحدات إلكترونية إيرانية مثل “مجموعة ذو الفقار” قادرة على اختراق ونشر رسائل داخلية أمريكية.
4. الهشاشة القانونية:
1. القيود القانونية:
• قانون السلطات الطارئة الدولية يحد من القدرة على فرض العقوبات الأحادية.
2. الضغط من الهيئات الدولية:
• تقارير خاصة من الأمم المتحدة حول تأثير العقوبات على حقوق الإنسان.
5. الهشاشة الاستراتيجية:
1. التأثير العكسي النفسي:
• دراسة في جامعة طهران عام 2023 أظهرت أن 78% من الإيرانيين دعموا الحكومة بعد تهديدات ترامب.
2. الاعتماد على التوقيت السياسي:
• الانتخابات الأمريكية كل 4 سنوات تهدد استدامة هذه الاستراتيجية.
6. الهشاشة المعلوماتية:
1. تسريب المعلومات:
• 67% من مستشاري ترامب السابقين اعترفوا في مقابلاتهم بضعف تحليلاته حول إيران.
2. الذكاء الاصطناعي والتحقق من الأخبار المزيفة:
• أنظمة مثل Factmata قادرة على كشف الادعاءات المبالغ فيها.
الاستنتاج: مصفوفة SWOT لاستراتيجية ترامب
نقاط القوة نقاط الضعف
• تأثير نفسي سريع • الاعتماد على منصات محددة
• بساطة الرسالة • مقاومة المؤسسات الدولية
الفرص التهديدات
• استقطاب الرأي العام • الهجمات الإعلامية من إيران
• الضغط على الحلفاء • القيود القانونية الدولية
التوصيات لإيران:
1. إنشاء وحدة متابعة إعلامية لتحليل رسائل ترامب بشكل لحظي.
2. تطوير دبلوماسية عامة متعددة اللغات للجمهور الأمريكي.
3. الاستفادة من المحاكم الدولية لتقويض الادعاءات.
4. تعزيز شبكات التواصل الاجتماعي البديلة خارج سيطرة الغرب.
التحليل المقارن بين استراتيجيات ترامب وبايدن الإعلامية تجاه إيران:
1. الفروقات الكبرى في أساليب التواصل:
المؤشر ترامب بايدن
أسلوب الاتصال هجومي وغير رسمي يعتمد على المفاجآت محافظ ودبلوماسي وقابل للتوقع
دور الإعلام أداة للحرب النفسية (مبنية على تويتر) قناة لرسائل رسمية
الهدف الخطابي تقليص هيبة الخصم إظهار الالتزام بالتعددية
مثال عملي:
• في 2018، استخدم ترامب التغريدات العسكرية (مثل “إيران لا تهددونا أبداً!”).
• في 2023، استخدم بايدن بيانات وزارة الخارجية لتأكيد “الدبلوماسية الصبورة”.
2. استراتيجيات التفاوض عبر الإعلام:
أ) ترامب:
• الصدمة العلاجية: نشر أخبار غير متوقعة فجأة مثل عملية قتل سليماني قبل إبلاغ الكونغرس.
• تقنية “المائدة الفارغة”: في 2018، عزز فكرة “عزل” إيران في الإعلام بعد انسحابه من الاتفاق النووي.
ب) بايدن:
• التفاوض التدريجي في الإعلام: نشر أخبار العودة إلى الاتفاق النووي عبر 4 مراحل إعلامية.
• دبلوماسية الصمت: الامتناع عن الإدلاء بتصريحات استفزازية أثناء الأزمات، مثل الصمت النسبي بعد الهجوم بالطائرات بدون طيار على موشاف.
3. إدارة الأزمات الإعلامية:
ترامب:
• التركيز على الرموز: تكبير الأحداث بشكل استعراضي، مثل عرض الطائرة المسيّرة المدمرة في البيت الأبيض.
• الخطوط الحمراء العائمة: تغير المواقف الإعلامية المتكرر لخلق الارتباك.
بايدن:
• التركيز على العمليات: التحدث مع الحلفاء بشكل مستمر قبل إصدار أي بيانات إعلامية.
• الاستقرار في الرسالة: تكرار “نحن ملتزمون بالاتفاق النووي” حتى في فترات التوتر.
نورنيوز