معرف الأخبار : 167755
تاريخ الإفراج : 3/17/2024 12:16:55 AM
السمة المميزة للعلاقات الجديدة بين طهران والرياض هي "إدارة التوتر" / العلاقات الاقتصادية تضمن علاقة مُستتبة مع دول المنطقة

الأدميرال علي شمخاني مؤكداً لـ نور نيوز في الذكرى السنوية للإتفاق بين ايران والسعودية:

السمة المميزة للعلاقات الجديدة بين طهران والرياض هي "إدارة التوتر" / العلاقات الاقتصادية تضمن علاقة مُستتبة مع دول المنطقة

نورنيوز- لا يخفى على أجد أن كل من إيران والسعودية دولتان مهمتان في المنطقة، وتتمتعان بإمكانات سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة، ويمكنهما لعب دور حاسم في التطورات الإقليمية والدولية، وعليهما الاستفادة القصوى من الفرص القادمة لتطوير التعاون بينهما.

لقد مرّ عام على اليوم الذي صافح فيه كبار ممثلي الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية أيدي بعضهم البعض بحرارة أمام كاميرات أهم وسائل الإعلام في العالم، الأمر الذي تمخّض عنه حدوث موجة إعلامية غير مسبوقة لاتفاق طهران والرياض لإعادة إحياء العلاقات الثنائية، علاقات فاجأت العالم الدولي والدوائر الإعلامية في جميع أنحاء المعمورة.

في 10 مارس 2023، توجّه كل من الأدميرال علي شمخاني، ممثل قائد الثورة الاسلامية وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني آنذاك، ومساعد بن محمد العيبان وزير للدولة ومستشار الأمن الوطني السعودي، الى الصين، واتفقا نيابة عن بلديهما على إستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة، لتعود عقب ذلك المياه الى مجاريها بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية.

ومما لا شك فيه أنه بالنظر إلى الموجة الواسعة وغير المسبوقة التي أحدثها هذا الاتفاق على مستوى الأوساط السياسية المحلية والإقليمية والدولية، يمكن الإشارة إليه بأنه المفاجأة الكبرى لعام 2023.

وكانت ردود الفعل الأولية للدول ووسائل الإعلام الدولية على تجديد العلاقة بين القوتين السياسيتين في غرب آسيا مزيجاً من المفاجأة والحذر. البعض أطلق عليه "السلام البارد"، والبعض الآخر أطلق عليه "مسؤولية الجوار"، وحاول البعض تصويره وكأنه "إستعراض عقيم". والآن، بعد ما يزيد عن عام على هذا الإتفاق الذي مرّ بحقول ألغام عدّة حاولت تفجير مساره، يمكننا أن نصدر حكماً أكثر واقعية حول مدى فعالية هذا الإتفاق على العلاقات الثنائية بين البلدين وتبعاته الإقليمية والدولية، وخاصة تأثيره على التطورات في المنطقة، أو تأثيراته المستقبلية على النظام الجديد في غرب آسيا.

ودون ريب كان الأدميرال علي شمخاني الوجه الأبرز في هذا الاتفاق، وهو ما أكدت عليه الأوساط السياسية والإعلامية المحلية والأجنبية. شخصية عسكرية سياسية فذّة وهو الإيراني الوحيد الحائز على أعلى وسام سعودي يعرف بـوسام "عبد العزيز" والذي منحه إياه الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز عام 2000 م نظراً لدور شمخاني المحوري والمؤثر في تطوير العلاقات بين طهران والرياض.

قبل عامين تقريبا من توقيع الاتفاق بين إيران والسعودية في بكين، والذي شكل بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين، تواترت الأخبار بشأن مباحثات مكثفة بين أمير سعيد إيرواني مساعد شمخاني حينها في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي وممثل إيران الحالي في الأمم المتحدة، مع خالد بن علي الحميدان رئيس جهاز المخابرات السعودي والممثل الخاص لملك هذا البلد. وبسبب استضافة الحكومة العراقية لهذه المحادثات، كانت الأخبار المتعلقة بها تُقدم عادة لوسائل الإعلام من قبل السلطات العراقية دون ذكر التفاصيل، كما تجنبت طهران والرياض الإدلاء بأي تعليق في هذا الشأن. وتبين فيما بعد أن هذه المفاوضات كانت حجر الزاوية في مسار كان يجري اتباعه في شكل مهمة خاصة بقيادة شمخاني، وتم الكشف عن نتيجتها النهائية في بكين في مارس 2023 في شكل توقيع بيان مشترك بشأن فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.

كان موعد المقابلة مع الأدميرال شمخاني قد تم تحديده بالفعل، لكن الحاجة لإجراء عملية جراحية عاجلة وغير متوقعة لعلاج إصابة قديمة للأدميرال، أجّلت هذه المقابلة لبضعة أيام، وقد أجريت قبل أيام قليلة أثناء وجوده في المستشفى. ونظراً لظروف الحوار في المستشفى، لم يكن من الممكن طرح جميع الأسئلة التي أردناها على الأدميرال، واكتفينا بحوار موجز، حتى نتمكن من سؤال الأدميرال عن الأبعاد الأكثر شمولاً وغير المذكورة بشأن الإتفاق بين ايران والسعودية.

وبينما نتمنى للأدميرال شمخاني دوام الصحّة والعافية نتقدّم له بجزيل الشكر على هذه الفرصة الكبيرة.

فيما يلي نصّ الحوار:

س-في العام الماضي، غيرت العلاقة بين ايران والسعودية مسارها بعد سبع سنوات من التوتر المتصاعد، وبالإضافة إلى القضايا الخلافية الكثيرة التي جعلت من نبرة العلاقات بين البلدين عدائية إلى حد ما، فقد سُمعت في الأشهر التي سبقت الاتفاق، أخبار متفرقة عن المفاوضات بين ممثلي إيران والسعودية في بغداد، ومجمل هذه الأحداث جعلت من اتفاق البلدين قنبلة الأخبار لذلك العام.

لا يخفى على أحد أنه قبل نشر الصور المشتركة لوفود الدول في المفاوضات المهمة، جرت مناقشات سرية وصعبة عادةً، وعلى هذا الأساس، تمحورت المفاوضات بين إيران والسعودية حول هذه القاعدة أيضا. بداية، متى بدأت المحادثات بين إيران والسعودية؟

شمخاني: في الواقع كانت نقطة انطلاق عملية الحوار مع السعودية قد بدأت قبل نحو عامين من الاتفاق، أي مطلع عام 2021، في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي. وأعقب ذلك المفاوضات الأولية بين ممثلي إيران والسعودية في بغداد. وكان ممثل إيران هو السيد أمير سعيد ايراواني، الذي يشغل الآن منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وكان في ذلك الوقت نائب الأمين العام في شؤون السياسة الخارجية في المجلس الأعلى للأمن القومي حينها. ومن الجانب السعودي شارك خالد الحميدان رئيس جهاز المخابرات السعودي في المحادثات التي استضافها العراق. وكان السيد مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق آنذاك حاضرا دائما في بداية اللقاءات، وفي هذا الإطار جرت حوالي 8 جولات من المفاوضات. وتم خلال هذه المفاوضات مناقشة القضايا والاهتمامات الأساسية للبلدين. وبعد تولي الحكومة الـ13، بذلت الجهود واستمرت المشاورات وبقي الموضوع مستمراً على قدم وساق. وصلت عملية التفاوض أخيرا إلى نقطة حيث تقرر خلال زيارة السيد رئيسي للصين ومحادثته مع رئيس هذا البلد أن تساعد الصين في مواصلة العملية التي بدأت، واستمرار المحادثات على مستوى الممثلين المفوضين من البلدين، وبأن يتم متابعة مسار التفاوض في بكين لتحقيق النتيجة النهائية. وعليه، ففي مطالع شهر مارس 2023، جرت محادثات مكثفة ومليئة بالتحديات بين الممثلين المفوضين لإيران والسعودية، استمرت حوالي أسبوع، وتمخّض عنها توقيع اتفاق مشترك لبدء فصل جديد في العلاقات بين البلدين.

- بعد توقيع الاتفاق، كان عدد كبير من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تتلاعب بالموضوع، كون المحادثات بين إيران والسعودية كانت خارج الإدارة المباشرة للحكومة الـ13، وكان لديك شخصيا مهمة خاصة لإدارة هذه المفاوضات والتوصل إلى إتفاق وهو الأمر الذي حدث بالفعل، وقُطع الشكل باليقين خاصة بعد استقالتك من منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وتعيينك على الفور مستشارا سياسيا لقائد الثورة الإسلامية، وإسناد منصب سياسي كامل إلى شخص ذي خلفية عسكرية عزز الشكوك القائلة بأن دوركم في أعلى مستويات السلطة أكبر من أن يكون كدور مسؤول عسكري فحسب، وفقاً لهذا الأمر اعتبرت مهمة إصلاح الجسور المتضررة بين طهران والرياض على أنها مهمة خاصة كُلّفتم بها، نرجو منكم إعطاء المزيد من التفاصيل في هذا الصدد.

شمخاني: أنا شخصياً أعتقد أن هذه القضايا ليست مهمة جداً، وكما تقول، فهي تكهنات إعلامية. والشيء المهم هو أنه على مستوى الحكم، هناك هذا الذكاء لتحقيق أقصى استفادة من كل القدرات الموجودة في دائرة الحكم في أي وقت من الأوقات لتعزيز الأهداف والمصالح الوطنية. وبطبيعة الحال، في هذه الآلية، تعمل جميع مكونات الحوكمة لتحقيق هذه الأهداف بالتفاعل مع بعضها البعض، وفي الأساس، لا يمكن تحقيق النجاحات الاستراتيجية دون مراعاة ضرورة خلق التآزر في قدرات الحوكمة المختلفة. وهذه نقطة مهمة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، أما القضايا الأخرى مثل دور الأفراد أو "المهمة الخاصة" وما شابه فهي قضايا ثانوية لا أعتقد أننا بحاجة إلى التطرق إليها.

-إلتقى خلال العام المنصرم، وزيرا خارجية ايران و السعودية مع بعضهما البعض؛ وأعيد إستئناف البعثات الدبلوماسية بين البلدين. حتى أن السيد رئيسي سافر إلى السعودية بعد أحد عشر عاما وحلّ ضيفا على الرياض. ومنذ العام الماضي، وخلال جولات المحادثات والزيارات، تم إحراز تقدم في العلاقات الثنائية، بل وشهدنا تغيراً ملحوظاً في لهجة وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية في البلدين. بمعنى آخر، واجه الاتفاق بين إيران والسعودية اختبارات مختلفة في العام الماضي، يرى مراقبون أن نتائجها تبشر بفرص محتملة لتعزيز العلاقات. ما هو تقييمك لمدى تقدم العلاقة بين إيران والسعودية وما مدى تحقيق الأهداف التي تم وضعها بعين الإعتبار؟

شمخاني: إن صياغة هذه الاتفاقية والإجراءات اللاحقة، بما في ذلك تبادل السفراء وبدء الزيارات والمحادثات رفيعة المستوى، تظهر أن كلا البلدين لديهما الإرادة والقدرة اللازمة لتحسين مستوى علاقاتهما. ورغم بذل الكثير من الجهود خلال العام الماضي من قبل مختلف مؤسسات بلادنا، خاصة في مجال السياسة الخارجية، لتفعيل الإمكانيات وتحريك المياه الراكدة في العلاقات بين البلدين، إلا أن رأيي الشخصي هو أنه يمكن إعطاء دفعة أقوى للمسار الذي تم الشروع به. ولأن إيران والسعودية دولتان مهمتان في المنطقة، وتتمتعان بإمكانات سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة، فيمكنهما لعب دور حاسم في التطورات الإقليمية والدولية، وعليهما الاستفادة القصوى من الفرص القادمة لتطوير التعاون بينهما. ذلك لأن الفرص تحلّ كغيوم الربيع تتشكل بسرعة وتمطر ومن ثم تمرّ. وإذا لم نتمكن من استخدامها في الوقت المناسب وبشكل فعال، فمن غير المعروف متى ستتكرر مرة أخرى.

-لعل الأثر الأهم لإستئناف العلاقات بين إيران والسعودية، بعد القطيعة السياسية، يمكن ملاحظته في الانفتاحات الاقتصادية. أظهرت زيارتكم إلى الإمارات والعراق بعد وقت قصير من نشر بيان إتفاق إيران والسعودية، والذي رافقه اتفاقيات اقتصادية مهمة بالإضافة إلى الجوانب الأمنية، أن إيران تولي اهتماما خاصا بالجوانب الاقتصادية للعلاقات مع دول الجوار. واعتُبر حينها أن التشاور مع السعودية والإمارات والعراق يأخذ شكل سلسلة، وبالطبع أظهر في الوقت نفسه آثاره الإيجابية في خفض سعر الصرف وغيرها. يبدو أن البعد الاقتصادي للعلاقات مع السعودية لم يتقدم خلال العام الماضي رغم التوقعات السابقة، ما هو السبب في نظركم؟

شمخاني: إن إستئناف علاقات إيران مع دول من قبيل السعودية والإمارات والعراق من المحتمل أن يكون له إمكانات كبيرة لتحسين الظروف الاقتصادية لبلدنا. وبطبيعة الحال، إذا أردنا إيجاد خط مشترك في العلاقة مع هذه الدول، فسنصل في الغالب إلى أبعاد اقتصادية؛ لأن مستوى علاقتنا السياسية مع كل دولة من هذه الدول يختلف. لكن التعاون مع هذه الدول الثلاث من الناحية الاقتصادية يمكن أن يعبّد الأرضية لقدرات جديدة لإيران. ويستدعي تفعيل قدرات التعاون مع دول المنطقة خطة مفصلة ومحدّدة التوقيت لتكون ضمن "سلسلة التأمين" و"سلسلة القيمة الإقليمية".

والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن دول المنطقة قد وصلت إلى هذا النضج لدرجة أنه من الضروري للتنمية الشاملة والمستدامة أن تنأى بنفسها عن "المنافسة الجيوسياسية" وأن تخلق تآزرا في القدرات "الجيواقتصادية"، وحتى لو كانت هناك منافسة، ينبغي أن يكون هذا هو النطاق. ومن خصائص النظام المستقبلي في المنطقة هو الجهد الجماعي لـ«إدارة التوترات» كشرط ضروري للتعاون القائم على المنفعة الجماعية. وتعتبر العلاقات الجديدة بين إيران والسعودية إحدى المؤشرات المهمة على تطور مثل هذا النهج في منطقة غرب آسيا.

-أفضى العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة والمعركة الأخيرة التي استمرت خمسة أشهر في هذا الشريط الساحلي إلى رفع مستوى التوتر في المنطقة. وخلافاً لتوقعات الأوساط السياسية والإعلامية الغربية، فإن أبعاد هذه الحرب لم تحيد التصعيد بين إيران والسعودية فحسب، بل أظهرت أن عمق العلاقات بين طهران والرياض أكبر بكثير مما تصوره بعض المحللين قبل عام، ولكن يلوح أيضا أن الحرب في غزة قد ساهمت إلى حدّ ما في توطيد التحالف إيران والسعودية ودفعت البلدين نحو تفاعل دبلوماسي أعمق.

شمخاني: إن قضية فلسطين هي القضية الأولى والاهتمام المشترك لجميع الدول الإسلامية، بما فيها إيران والسعودية، باعتبارهما دولتين مهمتين ومحوريتين في العالم الإسلامي، ويمكنهما توسيع آفاق التعاون بينهما. ويمكن اعتبار الأحداث التي جرت خلال هذه الفترة في إطار انعقاد اجتماعات الدول الأعضاء في مجلس التعاون الإسلامي من النطاقات الإيجابية في هذا السياق.

والنقطة المهمة في هذا الشأن هي التحولات التي تحدث في النظام الدولي، والعلاقات الإقليمية في غاية الأهمية بهذا الصدد. في الماضي كان للنظام الدولي تأثيره على العلاقات الإقليمية، أما الآن فقد تغيرت المعادلة وانقلبت إلى حد ما؛ أي أن النظام الإقليمي بات يؤثر على النظام الدولي. ومن هذا المنطلق فإن غرب آسيا وعلاقاتها الإقليمية لها أهمية مضاعفة من الناحية الاقتصادية والسياسية والأمنية. خاصة وأن هذه المنطقة تعتبر مركزاً للطاقة وتلعب دوراً حاسماً في بلورة النظام الإقليمي المؤثر على النظام العالمي والدولي. ومن هذا المنطلق، توصلت دول المنطقة إلى نتيجة مفادها أنه لا بد من إدارة التوترات الماثلة.

وعلى أي حال، فإن الكيان الصهيوني، الذي يرى بقاءه في استمرار التوتر والصراعات، يواصل التحرك عكس التيار الجاري في المنطقة، ويحاول إدخال دول المنطقة في لعبة التوتر المتفاقم. في الوضع الحالي، وبقدر ما تتطور العلاقات بين دول المنطقة على أساس المصالح المشتركة وخاصة التي تضمنها العلاقات الاقتصادية، يمكننا أن نأمل أن يوفر النظام الإقليمي الجديد فرصا جديدة لجميع دول المنطقة. نظام يرتكز على توفير مصالح دول غرب آسيا، وليس على تأمين مصالح الدول الدخيلة الوافدة من خارج المنطقة، كما كان الحال في الماضي إلى حدّ كبير.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك