اقامة معارض الكتاب الدولية في مختلف أنحاء العالم تُعتبر من أهم الأحداث الثقافية التي تقوم بنشر ثقافة كل بلد ونقل التجارب عن طريق الكتب وتبادل الآراء بين ناشري ومؤلفي الكتب، وكذلك زوّار المعرض، حيث يقوم كل بلد في جناحه الخاص بعرض الكتب التي تطرق الى ثقافة بلده، من خلال مختلف الكتب الثقافية والعلمية والإقتصادية، وغيرها.
الحقل الثقافي عادة ما يبتعد عن السياسة ولديه أجواء ثقافية تنبع من ثقافة كل بلد وكل شخص، ونعتبر أنفسنا أشخاصا مثقفين في عالم حضاري، ولكن مع الأسف نرى أنه في السنوات الأخيرة سيطرت السياسة على الشؤون الثقافية، حيث نرى بعض الأحيان ازدواجية المعايير في هذا المجال، وبعض الدول تقوم باتخاذ بعض الإجراءات المستهدفة في إطار ازدواجية المعايير، ويتركون الجانب الثقافي والمحايد، فالنموذج الأخير الذي واجهناه في الأيام الأخيرة، هو ما حدث في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، حيث قام مسؤولو النسخة الـ 74 من هذا المعرض بتدخل واضح في الشؤون الداخلية لإيران وأعلنوا عدم قدرتهم على ضمان أمن واحترام جناح جمهورية إيران الإسلامية والمجموعة الإيرانية الحاضرة في المعرض، وأعلنوا ذلك عن طريق إرسال خطاب، ودون إنذار سابق، فقاموا بنقل جناح ايران من القاعة الرئيسية إلى إحدى القاعات الفرعية ذات الوصول المحدود والصعب لزوّار المعرض، وفي نفس السياق، تأخّرت السفارة الألمانية بطهران في إصدار التأشيرات للوفد الإيراني، رغم الوعود السابقة، وكان ذلك في إطار عمل منسق مع مسؤولي معرض فرانكفورت.
ولهذا بادرت دار الكتاب والأدب الإيرانية، التي هي تتولى اقامة جناح إيران في معرض فرانكفورت، الانسحاب رسمياً من الحدث بسبب الإجراءات غير المدروسة لمنظمي هذا المعرض، الذي من المقرر إقامته خلال فترة 19 الى 21 أكتوبر/تشرين الأول.
ان دار الكتاب والأدب الإيرانية، التي كانت حاضرة في هذا المعرض لأكثر من عقد وتوفر الفرصة لنشطاء النشر الدوليين في ايران للمشاركة في معارض الكتاب الدولية، احتجت على السلوك غير المهني لمسؤولي المعرض والذي يُخالف ما أعلن سابقاً عن الغرض الثقافي للمعرض، وأعلنوا أن الحدث فيه تضارب واضح، وكان من المتوقع أن يوفر هذا المعرض فرصاً متكافئة للدول ذات السلوك المهني والالتزام بالعلاقات الثنائية المواتية التي أقيمت في معرضي طهران وفرانكفورت الدولي للكتاب. لكن مع الأسف، من خلال إثارة قضايا وهمية فيما يتعلق بالشؤون الداخلية لإيران، فإنهم حاولوا أن يلقون بظلالهم على جهود سفراء النشر الثقافيين لإيران ويضعون حجراً في طريق تعريف هذه الصناعة وتقدمها.
انسحاب ايران
ولهذه الأسباب التي ذكرناها انسحبت دار الكتب والأدب الإيرانية، بصفتها الجهة المنظمة لإنشاء جناح جمهورية إيران الإسلامية، رسمياً من المشاركة في النسخة 74 من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، مؤكدة أن المكان الجديد لجناح ايران، لا يتماشى مع كرامة ومكانة دار النشر في بلادنا ولا يمكن تنفيذ البرامج المخططة.
يأتي هذا الإجراء الأحادي لمعرض فرانكفورت في تغيير المكان المحدد مسبقاً لجناح ايران، في حين أنه تم تسجيل دار الكتاب والأدب الإيرانية لهذه الدورة في مارس الماضي، وتم توجيه الدعوة لتعاون ومشاركة دور النشر الإيرانية من جميع أنحاء ايران في أبريل 2022.
كما خطط الناشرون ونشطاء النشر الدولي في إيران وعملوا على ترتيب اجتماعات مع جهات أجنبية، وإعداد ملفات تعريف متعددة اللغات ونموذج من الأعمال لإبرام عقود النشر بلغات أخرى واغتنام الفرصة في هذا المعرض
لتقديم وعرض آخر إنجازات صناعة النشر الإيرانية، وإزاحة الستار عن أعمال جديدة، وترتيب لقاءات بين ناشرين إيرانيين وجهات أجنبية واللقاء مع رؤساء المعارض الأخرى في العالم، والتعريف بالمشاريع المدعومة من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في مجال النشر المكتوب، ودعوة الناشرين الأجانب للحضور في معرض طهران الدولي الرابع والثلاثين للكتاب، كانت من بين البرامج المخطط لها لجناح إيران في هذا المعرض.
معرض فرانكفورت الدولي للكتاب والسياسة
معرض فرانكفورت الدولي للكتاب من ضمن المعارض التي تقام سنوياً في مجال النشر والكتاب في ألمانيا، ويقام هذا المعرض الذي يستمر 5 أيام في منتصف أكتوبر من كل عام في معرض فرانكفورت التجاري في ألمانيا، حيث أن الأيام الثلاثة الأولى مخصصة للزوار من رجال الأعمال (خبراء في صناعة الطباعة والنشر) واليومان الأخيران مفتوحان للزوار بشكل عام من مختلف الفئات.
وفي كل عام، يحضره المؤلفون وممثلو مجال النشر وشركات الوسائط المتعددة من جميع أنحاء العالم ويتفاعلون للحصول على حقوق الطبع والنشر والتراخيص للنشر الدولي لأعمالهم، ويعرضون أعمالهم ويروجون لها ويجدون أسواقاً عالمية، ويتعرفون على الناشرين ويوقعون عقودا جديدة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.
كما أنه في كل عام في هذا المعرض، تشارك دولة كضيف خاص ويمكنها تقديم أجزاء مختلفة من أدبها باستخدام مساحة نشر خاصة.
ويعد معرض فرانكفورت، الذي يقام منذ عام 1949، أحد أهم معارض الكتب نظراً لكبر حجم التبادلات والمعاملات (تجارة النشر).
هذا المعرض الذي يدّعي بأنه من أهم المعارض، لا نرى فيه أثر من المحايدة والسلوك الثقافي، بل على العكس نرى أنه يقوم بالتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية ويتخذ اجراءات سيئة في هذا المجال، في حين أنه نرى أن كل ما يحدث في العالم، ايران تتخذ سياسة محايدة وما نسمعه من الجهات الرسمية الإيرانية، هو أن الشؤون الداخلية لكل بلد تختص لنفس البلد، ولكن ما نراه من ألمانيا وأمريكا والدول الأوروبية، اتخاذ سياسة أحادية الجانب، في حين يدّعون بدعم الثقافة وحقوق الإنسان، والأعمال والإجراءات التي يقومون بها خلاف ما يقولون!
من هنا يخطر بالبال، ما هو الهدف من اتخاذ هكذا سياسات؟ وبعد التدقيق نرى أن الهدف هو الغزو الثقافي، من خلال نشر الثقافة التي يريدونها والتدخل في شؤون الدول الأخرى والتأثير على الشعوب في الإطار الذي يقصدونه، هناك احصائيات كثيرة تشير الى المعدل الكبير للجرائم التي تحدث في هذه الدول ومنها ألمانيا، فكيف أنهم لا ينظرون الى أنفسهم وبلدانهم، ولكنهم يسمحون لأنفسهم التدخل في شؤون الدول الأخرى ونرى منهم سلوكا غير ثقافي في حدث ثقافي؟!
هل أصبح عالم اليوم، عالم الغابة التي يسمح للإستكبار العالمي أن يقوم بما يريد ونرى الغطرسة؟ وهل يُسمح للسياسة ان تتدخل في الثقافة؟
علينا مواجهة هذه الغطرسة العالمية، وتبيين الحقائق، ولا يمكن هذا الا من خلال الوحدة والمقاومة، والإكتفاء الذاتي، وهذا الذي يحدث حالياً في دول محور المقاومة، ومنها ايران التي أصبحت رائدة ليس في فقط في هذا المجال، بل في مختلف المجالات الفنية والعلمية وغيرها، وهذا الذي لا يتحمله الغرب والإستكبار العالمي، ولهذا نرى هكذا سلوكا غير ثقافي من مسؤولي معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وندعو القراء الاعزاء للقياس مع معرض طهران الدولي للكتاب الذي واجه اقبالاً كبيراً وكانت الأجواء فيه ثقافية من غير تدخل بالسياسة، وطبعاً كلّ إناء بما فيه ينضح ، ومن شعب مثقف كالشعب الإيراني، نرى الثقافة والأخلاق في جميع المجالات.
الوفاق