نورنيوز- لا يختلف عاقلان على أن الاحتجاجات السلمية في أي بلد كان هو أمر طبيعي وأحد الحقوق المعترف بها في الأنظمة الديمقراطية.
عادة ما تندلع شرارة الاحتجاجات في الأوقات التي يشعر فيها المواطنون أن مطالبهم لا تنعكس من خلال القنوات الطبيعية للحكومة، أو لأي سبب من الأسباب، لا يتم اتخاذ خطوات فعالة لتلبية مطالبهم على الأرض.
يُفضي تكدّس المطالب التي لم يتم الرد عليها أحيانا إلى إثارة الغضب لدى المواطنين وحتى الاحتجاجات العنيفة، والتي شوهدت أيضا مرات عديدة في بلدان مختلفة في جميع أنحاء العالم.
خير مثال على ذلك، احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا، والتي استمرت أكثر من عام وأسفرت عن مقتل حوالي 10 أشخاص وسقوط عشرات الجرحى وأضرار بملايين اليورو.
وكما هو العرف، إذا إرتقت الاحتجاجات الى أعمال عنف في بلد ما، فمن الطبيعي جدا أن حكومات الدول الأخرى ستطلب من مواطنيها مغادرة ذلك البلد، ومن الطبيعي أن تأمر الدول مواطنيها بالمغادرة وفقًا للظروف الأمنية الماثلة.
خلال اليوم الماضي، في البداية، طلبت دول هولندا وفرنسا، تليها ألمانيا والنمسا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا ، من مواطنيها مغادرة إيران على الفور دون إعطاء تفسير واضح لمبعث هذا القرار المفاجئ والذي جاء متأخراً.
خطوة الدول الأوروبية هذه، للأسباب التي سيتم مناقشتها، أثارت العديد من علامات الإستفهام لدى الرأي العام داخل وخارج ايران.
ما يجعل القرار الأخير للدول الأوروبية بنصيحة مواطنيها بمغادرة إيران أمرا غير طبيعي ومريب إلى حد ما هو أن هذه الحكومات أبقت رعاياها في إيران خلال الأيام التي كانت الاضطرابات فيها تتصاعد من حيث الشدة والنطاق، ولكن الآن، في الوضع الذي بدأت تتلاشى فيه أعمال الشغب والمؤامرة، فقد أصدروا تعليمات لمواطنيهم بمغادرة إيران!
دون أدنى شكّ أن مثل هذا التحرّك المفاجئ والموارب يحمل علامات تدل على وجود عملية تدخلية في أوضاع ايران الداخلية.
إذ لابد من لفت الإنتباه الى حقيقة أنه منذ بداية الاحتجاجات، سعت وسائل الإعلام في بعض البلدان، بتغطيتها المنحازة للأخبار والتضخيم المفاجئ للحوادث الصغيرة في بعض الأحيان، إلى تحريض المحتجين على الانغماس في العنف، وهو أمر يترجم بشكل جيد القراءة التي نجريها للقرار الأخير للدول الأوروبية بدعوة مواطنيها لمغادرة ايران.
رد فعل الدول الأوروبية على الاحتجاجات الداخلية في إيران ومقارنتها بحالات مماثلة في العديد من البلدان الأخرى يوضح بشكل جليّ تدخلاتها المخطط لها في الأحداث الأخيرة في ايران، ويؤكد حقيقة أن الاحتجاجات العادية في إيران هي وسيلة للاستخدام المشبوه للعملاء الأجانب.
التواجد على الأرض لبعض العناصر الأجنبية في مسرح أعمال الشغب، على الرغم من المواجهات مع هذه العناصر في حالات مماثلة وفي سنوات سابقة، هو تأكيد على الافتراض بأن مثل هذه المشاريع يتم متابعتها بجدية، وسط مخاوف رعاة تلك العناصر العابثة بأمن ايران من مخاطر ضبطها وإلقاء القبض عليها.
اعتقال الرعايا الفرنسيين الذين دخلوا الجمهورية الإسلامية تحت غطاء السياحة والإستجمام وقبل الأحداث الأخيرة وإقامة علاقات مع بعض الجماعات التي كانت تسعى لإثارة الاضطرابات في البلاد بذريعة المطالب النقابية، ما هو إلا مثال صغير على الإجراءات التدخلية الغربية في شؤون إيران الداخلية.
يبدو أن بث اعترافات الجواسيس الفرنسيين في الإذاعة كان بمثابة دفعة جادة لدول أوروبية أخرى لتكون أكثر حذراً بشأن دور رعاياها في الشؤون الداخلية لإيران.
في الوقت الراهن، وبالتزامن مع صدور الأمر بمغادرة مختلف المواطنين الأوروبيين مع انتهاء أعمال الشغب، يتبادر إلى الذهن احتمال أن يكون هؤلاء الأشخاص مرتبطين بالأحداث الأخيرة بطرق مختلفة، وقد صدر هذا الأمر بهدف حمايتهم وإنتشالهم من المصيبة التي هم فيها.
ورغم أنه بسبب تراجع حدّة أعمال الشغب بشكل عام في ايران، يمكن أن تُعزى مثل هذه المواقف إلى اتباع استراتيجية رفع الروح المعنوية للمشاغبين وإرسال رسالة عامة بشأن استمرار أعمال الشغب، والتي لن تتأثر بالطبع بيقظة الشعب الإيراني.
في السياق، فإن فرض عقوبات جديدة على بعض وزراء الحكومة الإيرانية من قبل وزارة الخزانة الأمريكية هو عملياً حلقة أخرى في سلسلة الضغط من أجل دعم أعمال الشغب في الجمهورية الإسلامية.
إذ تُظهر تلك العقوبات أن الغرب، على رأسه أمريكا، لن يتجاهل أصغر ثغرة للتدخل في الشؤون الداخلية لإيران وإحداث شرخ بين الشعب الإيراني. وهو جانب آخر للاستمرار في اتباع سياسة الضغوط القصوى للحصول على المزيد من التنازلات من طهران.
نورنيوز