ولا يختلف اثنان ان مبلغ الفساد والهدر قد تجاوز عتبة الاحتواء واصبح الامر يتعلق بقدرة الدولة نفسها على الاستمرار وعجزها بكافة اجهزتها على الوقوف او النهوض
ففي هذا البلد الفضائح بالجملة واهمها تقاعس القضاء عن المبادرة وانغماس الادارات بالفساد والرشوة والمحسوبية حتى النخاع، وموضوع الساعة يطغى حول فضائح الضباط ومساعديهم من اعوان الفساد والهدر
واعتقد المشكلة اكبر منهم والتركيز عليهم تجهيل للكبار فبالمقارنة دورهم ثانوي ومتعلق بجزء من صندوق صغير او عظمة نافرة من خروف الدولة المشوي بنار المحسوبية
بكل الاحوال هم مجرمون ولكن لا يمكن تجهيل الفاعل الاساسي السياسي الذي وظفهم بمحسوبيته والمحرض المدني الذي دفع ماله ليتجاوز محنته الكبرى واذلاله امام الزعيم والشريك في تبادل الادوار وتثبيت الموقع وجرمهم الاساس الطائفية
فمن فعل ذلك وكرس مذهبية المحسوبية وتجاوز القانون هو مجرم ايضا ولا بد من تكبير الصورة لتصبح واضحة وليأخذ الحكم العدل سيفه
عام مضى انبرى فيه الناس واعلام الداخل والخارج في تفنيد كل الارتكابات والموبقات على مدى العقود السابقة ورمي الاتهامات لتضييع الناس أو تجهيلهم او زرع اليأس من قيام الدولة بحجة تأهيلهم لاستلام الادارة والهدف من كل التدخلات والآراء هو زيادة الازمة وزيادة الفقر وزيادة التدخل الخارجي وحشر الوعي المجتمعي وكل المفكرين الرؤيويين في زواريب المناطق والاقطاعات المذهبية والعودة الى الحضائر الطائفية الضيقة
من هنا الدعوة الى وقفة تأمل للنماذج الدولية وطبيعة الحكم فيها ومديونياتها وطريقة تعاطيها بشأن حقوق الانسان عندما يتعلق الامر بمظاهرات داخلية او احتجاجات في تلك الدول نفسها التي تؤثر وتتعاطى في الشأن اللبناني السياسي والاجتماعي والتي تجتهد بالتنظير علينا وما يجب ان نفعل كمجتمع أو ما الذي كان يجب ان نقوم به لتجاوز الازمة
معظم تلك الدول تتحدث عن تدقيق جنائي عبر شركات دولية غايته المعلنة كشف المستور (وهو ليس مستور) فتلك الدول نفسها هي من تعرف جيدا وبالوثائق كل المرتكبين وتدعمهم وتحميهم وتحفظ اموالهم في مصارفها الاجنبية وهللت لكل الادوات المصرفية على مدى عقود واتحفونا بكافة الجوائز لحسن الادارة المالية والنقدية لحاكم المصرف المركزي الاول عالميا!!
وبناء عليه اعتقد لا بد من اعادة رؤية المشهد بشكل عقلي محض وتقييم ما جرى وهذا يستدعي الاجابة على التساؤلات:
اولاً: هل يستقيم لبنان اذا القينا اللوم على قطاع او فئة او طائفة واحدة استفادت من الفساد وهل يمكن محاسبتهم او ابعادهم عن المشهد؟
ثانياً: هل يمكن كسر ميزان العدالة وتحميل الدرجات المأمورة وترك الآمرين ؟؟
ثالثاً: هل يمكن محاسبة المرتكبين الكبار وهم محميون داخليا بشرائح مجتمعية واسعة ويستطيعون اثارة نعرات طائفية قد تشكل ضياعا للحقيقة في أتون الدم
رابعاً: الا يشكل غياب الوعي الوطني وانعدام ثقافة المواطنية وانتشار الرشوة والفساد كخبز يومي عائقا حقيقيا لظهور نخبة فاعلة تنهض بالبلد بعد تنحي الفاسدين بحال اقصائهم
واقترح وضع شعار “كلنا مسؤول” للخروج من هذا النفق ولا بد من الادوات الشرعية وتعزيزها في تغيير سلمي يبدأ بالانتخابات وبتطبيق الدستور بكافة مندرجاته وتحقيق اللامركزية الادارية وصولا للانتخابات خارج القيد الطائفي وحوار وطني حقيقي واستفتاء لحل كل القضايا الخلافية
والى ان يتم ذلك لا بد لاي حكومة قادمة من تضمين برنامجها الاتي:
اقرار قانون عفو عن جميع المواطنين ولو تم تجريمهم عن افعال الاهمال والفساد والرشوة وغيرها على غرار ١٩٩١ اي من يرتكب مجددا فيحاسب عن كل الارتكابات على شرط اقتطاع ٣٪ من كل حسابات تفوق مليون دولار و٥٪ عن كل حساب يفوق ٥ مليون دولار و١٠ ٪ عن كل حساب يفوق عشرة ملايين وايداع المبالغ في حساب الدولة في مصرف لبنان
يتم الاستعلام عن كافة الحسابات في لبنان والتي حولت عام ٢٠١٩ و٢٠٢٠ الى الخارج وينسحب الاقتطاع منها تحت طائلة الادعاء الجنائي والتدقيق من قبل هيئة التحقيق الخاصة
اقرار قانون استقلالية القضاء مع اعطاء القضاة المقررين ذوي الدرجات العليا حصانات ومنحا مالية كما في بريطانيا شبه مفتوحة
تفعيل اجهزة الرقابة من مجلس خدمة وتفتيش وديوان محاسبة ومجلس الشورى وتضخيمها وتحصينها بالموارد البشرية والمادية
تعديل في القوانين العسكرية واشراك العسكر في الانتخاب والسماح لهم بتفعيل مؤسساتهم لتصبح منتجة وليس عبئا على الدولة
تطبيق القوانين المصرفية بكافة مندرجاتها ودمج المصارف المتعثرة وفتح الباب للاغتراب في الاستحواذ على حقوق المودعين عبر زيادة راسمال فعلي واسهم حقيقية وتقسيط المتوجبات على خمس سنوات
اقرار قانون ضريبي عصري وفق الرؤية الاجتماعية وتصحيح الاعوجاج المزمن
اطلاق ورشة قانونية لجهة تحديث كل القوانين دون استثناء فلن يكون هناك اي استثمار بدون عدالة تشريعية
تحديث التعليم لمواكبة عصر الذكاء الصناعي وتطوير المناهج البالية والتي تجاوزها الزمن (١٩٩٧)
تفعيل قانون اشراك القطاع الخاص وفق مناقصات شفافة علنية غير محصورة بغية النهوض بكل القطاعات الحيوية والهامة كالبترول وصناعات بتروكيماوية والصناعات الدوائية بعد اقرار قانون تشريع زراعة الحشيشه وتسيير كافة المؤسسات ومنها النقل البحري وسكك الحديد والأوتوسترادات وغيرها الكثير
واخيرا يبقى الامل دوما بطاقات واعدة في الداخل وفي الاغتراب طيور الفينيق والعقول الراقية لردم الهوة بين اللبنانيين واعلاء لغة الحوار لانضاج كل الحلول قبل المزيد من تحميل الناس وزر ضياع الفرص وانتظار الخارج الذي اوصلنا الى ما وصلنا اليه