نورنيوز: احتياطيات الغاز الطبيعي، أحد أهم مصادر الطاقة في العالم، تلعب دوراً حيوياً في تحديد المعادلات الجيوسياسية. إن البلدان التي تمتلك هذه الموارد لا تؤثر على سوق الطاقة العالمية فحسب، بل إنها، من خلال استخدامها، تستطيع أيضاً التأثير على التطورات الإقليمية والدولية. تلعب إيران وروسيا وقطر، الدول الثلاث التي تمتلك أكبر احتياطيات من الغاز في العالم، دوراً هاماً في تطورات سوق الطاقة والسياسات الدولية باعتبارها أعضاء رئيسيين في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) للغاز.
أوبك للغاز: منصة للتعاون أم للتنافس؟
منتدى الدول المصدرة للغاز، الذي تأسس في عام 2001، هو جهد لتنسيق سياسات إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي بين الدول الأعضاء. وتسعى إيران وروسيا وقطر، الأركان الثلاثة الأساسية لهذه المنظمة والتي تمتلك أكثر من نصف احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي، إلى لعب دور حاسم في سوق الغاز العالمية. الهدف من هذه المنظمة هو استقرار الأسعار، وتقليص المنافسة المدمرة بين الأعضاء، وتعزيز مكانة الغاز في إمدادات الطاقة العالمية.
روسيا: استعراض للقوة في سوق الطاقة
تعتبر روسيا الدولة صاحبة أكبر احتياطيات من الغاز في العالم، حيث تبلغ احتياطياتها 1,688 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. تحتفظ الدولة بحوالي 24.3% من إجمالي احتياطيات الغاز في العالم. ويقع جزء كبير من هذه الموارد في مناطق سيبيريا، ويتم نقلها إلى أوروبا وأجزاء أخرى من العالم عبر خطوط الأنابيب مثل نورد ستريم وترك ستريم.
تلعب روسيا، التي تمتلك أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، دوراً رئيسياً في سوق الطاقة. لقد استخدمت هذه الدولة الغاز كأداة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية لسنوات عديدة. لقد أدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد موسكو إلى تكثيف الجهود الرامية إلى الحد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. وتسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى الحد من قوة الغاز الروسية في أوروبا من خلال تطوير البنية الأساسية للغاز الطبيعي المسال ودعم مشاريع مثل خطوط الأنابيب البديلة.
إيران: القدرات المحتملة والقيود الحالية
وتحتل إيران المرتبة الثانية عالمياً باحتياطيات تعادل 1201 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يمثل 17.3% من الاحتياطيات العالمية. حقل غاز بارس الجنوبي، المشترك بين إيران وقطر، هو أكبر حقل للغاز في العالم ويمثل أكثر من 40 في المائة من احتياطيات الغاز الإيرانية. ورغم هذه الإمكانات الهائلة، فإن العقوبات والقيود التكنولوجية حالت دون استغلال هذه الموارد على أكمل وجه.
كان بوسع إيران أن تلعب دوراً أكثر بروزاً في السوق العالمية. ولكن العقوبات الاقتصادية، والقيود التكنولوجية، والافتقار إلى الاستثمار الكافي، حالت دون استغلال هذه الاحتياطيات بالكامل.
تستطيع إيران بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي أن تكون مركزاً للطاقة في المنطقة وتصدر غازها إلى أوروبا وآسيا وجيرانها. وقد كان للجهود الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، للحد من هذه الإمكانية، كجزء من سياسة احتواء إيران، تأثير كبير على قدرة البلاد على استخدام أدوات الغاز.
قطر.. رائدة في صادرات الغاز الطبيعي المسال
وتُعد قطر، التي تمتلك احتياطيات تزيد عن 871 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ثالث أكبر دولة من حيث احتياطي الغاز في العالم، وتمتلك 12.5% من احتياطيات الغاز العالمية. أصبحت الدولة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم من خلال تطوير تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال والبنية التحتية المتقدمة للتصدير. وبفضل سياسة التركيز على تصدير الغاز الطبيعي المسال، أصبحت الدولة واحدة من الدول الرئيسية المصدرة للغاز الطبيعي المسال. اللاعبين في سوق الغاز. لقد منحت محطات الغاز الطبيعي المسال القطرية والعقود طويلة الأجل مع العملاء الآسيويين والأوروبيين البلاد مكانة خاصة في إمدادات الطاقة العالمية. وفي حين تواجه إيران وروسيا المزيد من الضغوط الجيوسياسية، تستفيد قطر من موقعها في التعامل مع سوق الغاز العالمية. وبفضل استغلالها للعلاقات الاقتصادية الواسعة، خاصة مع أوروبا، تمكنت هذه الدولة من الحفاظ على مكانتها في معادلة الطاقة.
جهود غربية للحد من أدوات الغاز الإيرانية والروسية
إن الولايات المتحدة وحلفائها يدركون جيداً أهمية الغاز كأداة جيوسياسية لإيران وروسيا. ولذلك، فمن خلال تطوير البنية الأساسية للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة وأوروبا، يسعون إلى زيادة قوة إيران وروسيا في توريد الغاز الصخري. وتواجه أوروبا تحديات كبيرة في مجال الطاقة، وذلك من خلال زيادة صادرات الغاز الصخري من الولايات المتحدة وتعزيز محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال في أوروبا.
وبالإضافة إلى ذلك، يحاول الغرب خلق بديل للغاز الروسي من خلال دعم مشاريع بديلة مثل خط أنابيب عبر بحر قزوين لنقل الغاز التركماني والأذربيجاني إلى أوروبا.
وبالإضافة إلى الإجراءات المذكورة أعلاه، يسعى الغرب أيضاً إلى خلق عقبات أمام تطوير صناعتي الغاز الإيرانية والروسية من خلال تقييد قدرة إيران وروسيا على الوصول إلى التقنيات المتقدمة لاستغلال موارد الغاز.
المستقبل الجيوسياسي للغاز الطبيعي
إن التعاون بين الدول الثلاث إيران وروسيا وقطر في إطار منظمة أوبك للغاز قد يكون له تأثير كبير على السوق العالمية. ومع ذلك، فإن الضغوط الجيوسياسية والتنافسات الإقليمية فرضت تحديات أمام تحقيق هذا التعاون. ومن ناحية أخرى، فإن التقدم في تكنولوجيات الطاقة، وزيادة إنتاج الغاز الصخري، وظهور لاعبين جدد في سوق الغاز الطبيعي المسال، من شأنه أن يغير المعادلة.
وسوف يظل الغاز الطبيعي أحد أهم أدوات القوة في السياسة الدولية، وسيكون لدور إيران وروسيا وقطر كلاعبين رئيسيين في هذا المجال تأثير عميق على التطورات الإقليمية والعالمية.