نورنيوز- ما تزال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، دائرة منذ شتاء فبراير 2022 إلى صيف عام 2024، وباتت في أكثر حالاتها تصعيداً، حيث تتعاضد كل من أمريكا وحلفائها الأوروبيين للتخلص من حالة الإستنزاف الغارقين فيها، ويسعون في فترات زمنية محددة للعثور على مسبب الأزمة ومعاقبته. وهذه الأيام، تُتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية والصين ودول أخرى مستقلة بدعم روسيا في هذه الحرب الطاحنة، في حين أنها (الدول الغربية) هي المسؤولة الأساسية عن المواجهة المُستعرة بين "فولوديمير زيلينسكي" و "فلاديمير بوتين"، وليس طهران وبكين، خصوصاً أن تلك الدول هي التي أغرقت نفسها في هذه المغامرة الطائشة، في ضوء مساعيها لتوسيع دائرة هيمنة الناتو لتطال سيبيريا! وخصوصاً بالقرب من روسيا القلقة من هذا التمدّد، وفي هذا المُعترك، كانت القضية الوحيدة غير المهمة بالنسبة للغرب هي مصير الشعب الأوكراني في الحرب.
واليوم، بعد مرور ثلاثين شهراً على الأزمة التي كان من المفترض أن تستمر لمدة شهر واحد؛ تتهم الحكومات الأوروبية والأمريكية إيران مرة أخرى بإرسال الصواريخ الباليستية الى روسيا، وهي التي كانت سابقاً قد إتهمت طهران جورا بإرسال طائرات بدون طيار الى موسكو. إلاّ أنه لا يوجد دليل موثق سوى الادعاءات والفبركات الصحافية، ووراء ستار هذا الإسقاط العالمي للمسؤولية، تبحث أميركا وأوروبا عن ذريعة جديدة لفرض العقوبات على الجمهورية الاسلامية الايرانية وتسويغ دعمها التسليحي الطائش لكييف.
إصرار الدول الأوروبية المثير للريبة على تصدير إيران الأسلحة إلى روسيا تكرر هذه المرة مع قضية الصواريخ الباليستية. وإن عدنا في شريط الأحداث بضعة سنوات الى الوراء وعلى وجه التحديد في خريف عام 2022، ادعى الغرب في سيناريو جديد حينها أن إيران تزود روسيا بطائرات بدون طيار من نوع "شاهد". إلاّ أن ذلك السيناريو كان مآله الفشل، لهذا حاك مسرحية جديدة مفادها أن ايران تبيع صواريخ باليستية لروسيا، وذلك بعد أن أثار إختلق هذا الأمر بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الأمريكية، حيث تردد في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن إيران أرسلت صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا، يمكنها أن تكون أداة قوية في الحرب الأوكرانية، وكانت هذه بداية ردود أفعال الدومينو من المسؤولين ورؤساء الدول الغربية وإيران.
*رد إيران: السيد عباس عراقجي وزير الخارجية أكد قائلاً: إيران لم ترسل صواريخ باليستية إلى روسيا هذا كل شيء! ومرة أخرى تصرفت أميركا وأوروبا بناء على معلومات مفبركة ومنطق معيب. وينبغي لمدمني العقوبات أن يسألوا أنفسهم: كيف تستطيع إيران أن تصنع أسلحة متطورة وتبيعها حسب زعمكم؟ العقوبات ليست الحل بل هي جزء من المشكلة.
من جانبه قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الايرانية "ناصر كنعاني": لسنا جزءًا من الحرب والصراع في أوكرانيا، وأكدنا مرات عديدة أننا نعتبر الحل السياسي هو الحل الأمثل لهذه الأزمة.
ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك قالت أيضاً تعليقاً على الإتهامات الغربية: إيران تعتبر إرسال مساعدات عسكرية للأطراف المتصارعة أمرًا غير إنساني، مما يدفعها إلى النأي بنفسها عن أي ما يذكي هذا الصراه، وهي لطالما أكدت على المضي قدماً في محادثات وقف إطلاق النار.
"أمير سعيد إيرواني" سفير والممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة، كتب في رسالة وجهها إلى أنطونيو غوتيريش الأمين العام لهذه المنظمة: أي ادعاء بأن إيران متورطة في بيع أو تصدير أو نقل الأسلحة إلى روسيا وانتهاك المواثيق والالتزامات الدولية لا أساس له من الصحة ومرفوض بشكل قاطع.
العميد فضل الله نوذري نائب قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي، قال بدوره تعقيباً على الاتهامات الغربية: إيران ليست داعمة لأي من أطراف الحرب ولا تؤمن بشرعية هذه الحرب. ولم يتم إرسال أي صاروخ إلى روسيا، وهذا الادعاء هو نوع من الحرب النفسية.
وعلى إثر استمرار هذه الاتهامات، تم استدعاء رؤساء البعثات البريطانية والفرنسية والهولندية والألمانية في طهران بشكل منفصل إلى وزارة الخارجية من قبل مدير عام شؤون أوروبا الغربية في الخارجية الإيرانية، وأدان الجانب الإيراني الأطراف الأوروبية بشدّة على إتهاماتها.
*رد فعل أمريكا: رد فعل واشنطن على ادعاء إرسال الصواريخ الى روسيا شمل ثلاث مراحل جاءت كما يلي: لا نؤكد صحّة الأنباء، لكنه حدث ولم يتم استخدام تلك الصواريخ، ومن ثم فرض عقوبات. وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، ووليام بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزية: "لا تستطيع الولايات المتحدة تأكيد التقارير المنشورة حول إرسال إيران صواريخ باليستية إلى روسيا".
وقال "فيدانت باتيل"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: إذا صحّت هذه التقارير، فإن ذلك سيعني "توسعًا كبيرًا في دعم إيران للحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا".
من جهته قال المتحدث باسم البنتاغون، باتريك رايدر: إن روسيا تلقت صواريخ باليستية إيرانية، لكنها لم تستخدمها بعد.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قال أيضاً: روسيا تلقت بالفعل شحنات من الصواريخ الإيرانية.
ليعقب ذلك قرار وزارة الخزانة الأمريكية، حيث أعلنت: نفرض عقوبات على 10 أفراد و6 كيانات متمركزة في إيران وروسيا ونمنع أربع سفن تشارك في تسليم أجزاء أسلحة وأنظمة أسلحة من إيران إلى روسيا، بما في ذلك طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية قصيرة المدى.
وأعقب ذلك إعلان الخارجية الأمريكية: فرضت عقوبات على شركة الطيران الإيرانية لإرسال صواريخ إيرانية إلى روسيا.
*رد فعل أوروبا: أولا في أوروبا، قال "جوزيف بوريل" مسؤول السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي: نقل الصواريخ الباليستية من إيران إلى روسيا يشكل تهديدا مباشرا لأمن أوروبا وتصعيدا كبيرا للتوتر.
من جانبه قال مجلس الاتحاد الأوروبي: يشكل هذا الأمر تهديدًا مباشرًا لأمن أوروبا، والآن يمكن استخدام هذه الصواريخ الباليستية الإيرانية لإحداث المزيد من المعاناة والدمار في أوكرانيا.
*رد فعل أوكرانيا: وزارة الخارجية استدعت شهريار آموزكارالقائم بأعمال سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أوكرانيا.
"فولوديمير زيلينسكي": ما زلت لا أستطيع تأكيد استخدام هذه الصواريخ. لا يمكنني تأكيد ذلك إلا عندما يكون لدينا دليل. لقد باعتهم إيران (روسيا) أكثر من 1000 طائرة بدون طيار إيرانية الصنع وأسلحة أخرى.
*ادعاء وعدة تناقضات؟
إن سلسلة الاتهامات الجديدة ضد الجمهورية الإسلامية، والتي تصدرت عناوين الصحف ووسائل الاعلام العالمية مع بعض الصور المزعومة لاعتراض السفن في بحر قزوين، هي تكرار للحلقة المفرغة التي اتخذها الغرب في علاقاته مع إيران. وفي كل جولة من تكرار هذه الحلقة المفرغة، تقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر ثباتا من ذي قبل على مواقفها، وتضع الدول الغربية مرة أخرى أمام طريق مسدود جديد. ومثال واضح على ذلك القوة العسكرية الإيرانية، التي تتصدر وسائل الإعلام العالمية هذه الأيام. الصناعات والقوى التي عانت من أشد العقوبات وأكثرها جوراً، وهي محرومة من أي إمكانية للوصول إلى علوم إنتاج واستيراد الأسلحة في العالم. لكن، بحسب ادعاء الغرب، لا يمكن أن تكون هذه العقوبة فعالة، ورغم أن إيران لم تنخرط مع روسيا في حرب أوكرانيا، إلا أنها أصبحت كابوسهم، ووضعتهم أمام هذا التصريح من تغريدة عباس عراقجي: "مدمنو العقوبات" عليهم أن يسألوا أنفسهم: كيف تستطيع إيران أن تصنع أسلحة متطورة وتبيعها حسب زعمكم؟
والتناقض الثاني في أساس هذا الاهتمام الواضح يمكن رؤيته في سلوك الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تجاه قضية غزة في العام الماضي. وفي حالة واحدة فقط، في نهاية شهر أغسطس من هذا العام، أعلنت الحكومة الأمريكية عن بيع حزمة أسلحة بقيمة أكثر من 20 مليار دولار للكيان الصهيوني، وهي الحزمة التي تشمل 100 مقاتلة من طراز F-15، وقذائف مدفعية عيار 120 ملم، وصواريخ جو-جو متطورة، و33 ألف قذيفة دبابة، و50 ألف قذيفة هاون وشاحنة عسكرية، ومن المفترض أن يتم تسليم المقاتلات إلى الكيان الصهيوني اعتباراً من عام 2029. وأصدرت الحكومة الألمانية، باعتبارها المصدر الرئيسي الآخر للأسلحة إلى الكيان الصهيوني، ترخيصا لتصدير أسلحة بقيمة إجمالية تبلغ 326.5 مليون يورو إلى تل أبيب. وحتى خريف عام 2023، تمت الموافقة في ألمانيا على 38.5 مليون يورو فقط من الصادرات العسكرية إلى الكيان الصهيوني، لكن هذا الرقم ارتفع بشكل حاد بعد 7 أكتوبر.
في الواقع تفرض الدول الأوروبية عقوبات على إيران من خلال مخاتلات أن ايران تبيع الأسلحة إلى دولة معادية، في حين أنها هي نفسها تبيع معظم الأسلحة إلى الكيان الصهيوني المعادي. ويبدو أن الغرب، وأوروبا بشكل خاص، يصرون على تكرار الأساليب التي تم تجربتها في العلاقات مع إيران سابقاً. اليوم، تدرك إيران أفضل من أي وقت مضى أنه وراء ادعاء إرسال صواريخ باليستية إلى روسيا مسرحية جديدة لتسويغ إستخدام أوكرانيا في قادم الأيام لأسلحة بعيدة المدى ضد روسيا، وسيكون رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في واشنطن اعتبارًا من الجمعة لإقناع بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى، ولكن وفقا لموقف القصر الأبيض، الذي هو ضد هذه القضية، ستخفّ حدة هذه الاتهامات في الأيام المقبلة، وستبحث أوروبا عن طريقة أخرى للهروب من مستنقع كييف الموحل.